وقد يسوي بين أمور مختلفة،
15
وهذا على خلاف قضية العقل، وإذن لا يكون العقل مجوزا للقياس.
وبعد هؤلاء المتكلمين، نجد ابن حزم المتوفى سنة 456ه يشتد جدا في رفض القياس، اكتفاء بالقرآن والسنة، واستدلالا لمذهبه الظاهري وتقبيحا لمذهب معارضيه، وقد بسط ذلك كله في كتابه «الإحكام»، ورد على خصومه ردودا لم تخل من حدة لسانه وشديد نقده ومرير تهكمه.
إنه يرى أن من قال بالقياس في الشريعة قد تعدى حدود الله وقفا ما لا علم له به، وقال فيها برأيه ، ما دام لديه كتاب الله وسنة رسوله وفيهما كل غنية إذا عرفنا كل ما فيهما من الأحكام؛ ولهذا لم يقل صحابي قط بالقياس.
وأما كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري حين بعثه قاضيا إلى اليمن، وكذلك نحوه مما روي عن الصحابة من الآثار التي تفيد الأخذ بالقياس، فقد أنكر هذه الآثار جميعا بالطعن في أسانيدها من ناحية، وبإلزام خصومه؛ إذ خالفوا بعض ما توجبه من ناحية أخرى.
ثم ينتقل ابن حزم في كتابه «الإحكام» خطوة أخرى أبعد مما سار إليه، فيحاول أن يجد من القرآن والسنة نصوصا يدعم بها مذهبه في رفض القياس رفضا باتا شاملا، فيرى هذه النصوص مبطلة للقياس، داعية إلى وجوب رفضه والعمل به في شريعة الله ورسوله، وبخاصة أنه يرى أن القول بالعلل في شيء من الشريعة وأحكامها باطل.
وفي رأينا أنه مهما تكن شدة معارضة ابن حزم، وقوة جدله ولدده في الخصومة، ومهما تكن حجج الذين رفضوا الأخذ بالقياس من الطوائف الأخرى، فإن الحق هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أن القياس أصل من أصول الفقه ومصدر من مصادره، مصدر لا يستغني عنه فقيه، ولم ينكره صحابي من قبل، بل أرشد الله إليه في غير موضع من كتابه، كما يقول ابن تيمية وابن القيم.
لقد عرض ابن القيم - وكان أكبر حفيظ للتراث العلمي لشيخه الأكبر - في الجزء الأول من كتابه «إعلام الموقعين»، مسألة القياس عرضا وافيا، وبين أدلة القائلين به وأدلة الآخرين الذين يرفضونه.
وتكلم عن عدم إحاطة النصوص أو إحاطتها بالحوادث التي تزيد كل يوم، ومعنى هذا الحاجة للقياس أو عدم الحاجة إليه، ولم ينس أن يعرض لمسألة كون أحكام الله معللة -وحينئذ يتأتى القياس - أو غير معللة فلا يكون القياس ممكنا.
Unknown page