63

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

في المساجد، وعلى المنابر، يفسر فيها بعض آي من القرآن، ويعظ فيها وعظاً ينتفع به العامة، ولا تجفوه آذان الخاصة.

وأما بيان آرائه الخاصة في المشتبهات، والتي تقوم حولها المناظرات، فقد كان رحمه الله يتولاها في المدارس الخاصة كالمدرسة الصالحية بالقاهرة، فقد عقد فيها ثلاثة مجالس للمناظرة كان الشيخ رضي الله عنه يبين فيها آراءه بحجتها نيرة بينة فيقبلها من يقبلها، ويردها من يردها.

٦٨- بقى الشيخ نحو ستة أشهر أو تزيد يدعو الناس، ويعظهم، والمساجد تكتظ بالناس عند سماع موعظته، حتى نفع الله به خلقاً كبيراً، ورأوا فيه رجلاً خالصاً في قلبه وعقله لله رب العالمين.

وقبل أن نخوض فيما آل إليه أمره بعد هذه الأشهر الستة نسجل هنا أمرين: (أحدهما) أن الشيخ عند خروجه من السجن صفح عن كل من آذوه، وسجل ذلك في خطاب أرسله إلى دمشق، وكذلك شأن العالم الجليل الواسع العقل، الكبير القلب، وقد سجل ذلك الصفح في كتاب أرسله إلى دمشق، جاء فيه: «تعلمون رضي الله عنكم أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين فضلاً عن أصحابنا بشيء أصلاً لا ظاهراً ولا باطناً، ولا عندي عتب على أحد منهم، ولا لوم أصلاً، بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف ما كان، كل بحسبه، ولا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهداً، أو مخطئاً، أو مذنباً، فالأول مأجور مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد معفو عنه؛ والثالث فالله يغفر لنا وله، ولسائر المؤمنين» ويقول في هذا الكتاب أيضاً:

((لا أحب أن ينتصر من أحد بسبب كذبه علي، أو ظلمه أو عدوانه، فإني قد أحللت كل مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أريده لنفسي، والذين كذبوا وظلموا هم في حل من جهتي)).

(الأمر الثاني) الذي نريد أن نسجله في هذا المقام هو رفقه بأمه، ومحاولته إدخال السرور في نفسها والإحسان إليها، فإنه لما اختار الإقامة في مصر بعد

62