6

Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Publisher

دار الفكر العربي

تمهيد

١- بزغ ابن تيمية في الثلث الأخير من القرن السابع والثلث الأول من القرن الثامن.

ومن وقت أن ظهر عالماً بين العلماء، ومرجعاً يرجع إليه في الإفتاء، والناس مختلفون في شأنه بين قادح ومادح؛ ولا زال ذلك الاختلاف إلى يومنا هذا؛ فالناس فيه فريقان: فريق غالى في تقديره حتى رفعه إلى مرتبة فوق كبار أئمة الفقهاء. فتجاوز به أقدار الأئمة الأعلام، كأبي حنيفة ومالك والشافعي والليث، ومنهم من حسب أنه لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد، وما اجتهد فيه فقد تجاوز فيه طوره؛ وتعدى فيه حده؛ بل من الناس من كفره حاسباً أنه خلع الربقة وانطلق من قيود السالفين، وعدا عدواً على الدين.

وإن المشاهد قديماً وحديثاً أن الرجل الذي يختلف الناس في شأنه بين إعلاء وإهواء، لابد أن يكون رجلاً كبيراً في ذات نفسه، عظيماً في خاصة أمره؛ له عبقرية استرعت الأنظار؛ واتجهت إليها الأبصار، فيكون له الوالي الموالي، والعدو المتربص المؤاخذ الذي يتتبع الهفوة؛ ويحصي السقطات.

وكذلك كان ابن تيمية رضي الله عنه، قد كان عظيماً في ذات نفسه، اجتمعت له صفات لم تجتمع في أحد من أهل عصره. فهو الذكي الألمعي؛ وهو الكاتب العبقري، وهو الخطيب المصقع؛ وهو الباحث المنقب؛ وهو العالم المطلع الذي درس أقوال السابقين، وقد أنضجها الزمان؛ وصقلتها التجارب، ومحصتها الاختبارات؛ فنفذت بصيرته إلى لبها، وتغلغل في أعماقها، وتعرف أسرارها؛ وخص الروايات، ووازن بين الآراء المختلفة، وطبقها على الزمان، مع إدراك للقوانين الجامعة، وربط للجزئيات، وجمع الأشتات المتفرقة، ووضعها في قرن واحد.

5