Ibn Taymiyya: Ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu, ʾĀrāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
كذلك، بل نجزم بأنه كانت فيه حدة وشدة، ويبدو ذلك من قوله، ولكنا لا نحسب أنها السبب وحدها في مخالفة المخالف، وتحول المخالفة إلى منابذة. بل لعل المناقشة لبست ثوب الحدة عندما نابذوه. وخصوصاً أنه يرجع الأحكام التي ينطق بها إلى ما كان عليه السلف الصالح، فما كان قوله بدعاً، بل كانت في نظره ونظر الفاحصين حقاً دقيقاً سنة.
إن ما كان في عصره من شيوع الشعوذة في الصوفية، وتأويلاتهم الكثيرة، والتقليد المطلق في العقائد، وطريق فهمها، وفي الأحكام والتخريج عليها، لا يمكن معه أن يكون من يدعو إلى التحرر من كل تقليد إلى كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح - مقبول القول، مسلم التفكير، بل لابد من منازلات، وخصوصاً أن الذين عاصروه من الفرق المختلفة لم يروا في مسلكه ما يطمئنهم. بل كان يكشف مستورهم فالمخالفة لا بد منها (ولا يمكن أن يكون إجماع على منهاجه الذي جاء به ولا يمكن أن يكون محل الرضا، إذا كانت المخالفة والمنازعة والمجادلة فلابد أن تكون المخاصمة والمنابذة، وخصوصاً أنه لا يني عن الدعوة إلى ما يراه عند العامة وعند الخاصة في المدارس وفي المساجد.
لا شك أن الإجماع كان منعقداً على مقدرته العلمية واللسانية والجدلية والتعليمية، ولكن تلك المقدرة يرى الكثيرون فيها حرباً عليهم فلابد أن ينازلوها، لأنهم يجدون في المنازلة دفاعاً عن كيانهم، ووجودهم بوصف كونهم فرقة دينية لها كيان ووجود.
٣٧- وإنه لا يكتفي بما يلقي في دروسه، وما يلقيه على العامة في الجامع الكبير في المجتمع الكبير كل يوم جمعة، بل قد صار مقصداً يسأل فيجيب بالكتاب، فيذيع ويشتهر بين الناس، ويتناقله الناسخون، فيذيع ويشيع مسجلاً في القرطاس ولا يكتفي بتلقي الأفواه.
ومن هنا ابتدأت المعركة، أرسل إليه أهل حماة يسألونه عن الصفات التي وصف الله نفسه بها في القرآن، من الاستواء وإضافة الكرسي لله سبحانه في قوله تعالى
32