Ibn Sina Faylusuf
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Genres
الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا ،
4
وازدادت رغبتهم في إحراز العلم عندما سمعوا الحديث يقول لهم: «الحكمة ضالة المؤمن يأخذها ممن سمعها، ولا يبالي في أي وعاء خرجت»، «خذوا الحكمة ولو من ألسنة المشركين»، «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة »، ثم «اطلبوا العلم ولو بالصين»،
5
على أنهم لم يقدموا على طلبها دفعة واحدة؛ بل اقتبسوها تدريجا تبعا لسنة الارتقاء.
كان علماء الإسلام قبل اطلاعهم على الفلسفة يكتفون بتفسير القرآن تفسيرا سطحيا، وبالتلميحات التاريخية، وشرح الألفاظ الغامضة، ثم لما امتزجوا بالعلوم الدخيلة تطور فكرهم، وعرضت لهم مشاكل فلسفية كبرى في الله وصفاته، وكلامه، ووحيه، والقضاء والقدر، فتضاربت الآراء، وتشعبت النظريات، وحمي وطيس الجدال، وتولدت الشيع والبدع؛ فكان الصفاقيون، وحمل عليهم المعتزلون، وحاول الحكم فيما بينهم الأشعري العقل الراجح، كما توسط بين الجبرية والقدرية والصفاتية والمعتزلة، وهكذا تعددت الاختلافات في شروح القرآن وآياته، وكثرت الفرق الإسلامية إلى أن بلغت اثنتين وسبعين فرقة، أحصاها الشهرستاني وحلل تعاليمها في كتاب الملل والنحل، وكان أشدها وطأة وأعمقها فكرا المعتزلة والأشعرية.
6
أما الترجمات فإنها قد لعبت دورا مهما في ترقي الفكر العربي، والمرجوح أنه لولا أرسطو ومنطقه، واليونان وعلومهم، والفرس وآراؤهم، لما ظهر في شرقنا نوابغ على مثال الفارابي، وابن سينا، والغزالي، وابن رشد في الفلسفة، وابن سينا والرازي في الطب، والخوارزمي في الجبر، وجابر بن حيان في الكيمياء ...
7
هذه هي البيئة العقلية التي أحاقت بالشيخ الرئيس؛ انشغاف بالحكمة، محبة للعلم، نضوج في الفكر، تعدد المترجمين والشراح، تشعب في الآراء والنظريات، امتزاج القديم بالجديد، طريق صعب للتفكير الحر الطليق. وبالجملة إن ابن سينا فتح عينيه على مملكة الفلسفة والعلم، فوجد مواد مبعثرة، فيها الغث والسمين، الجيد والرديء، فحاول تحليل عناصرها، وتمحيص دقائقها، واكتناه أسرارها، ومعارضتها بعضها ببعض، فنبذ منها ما وجب نبذه، وأبقى ما رآه صالحا لبناء صرح فلسفته.
Unknown page