فصل تمهيدي
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
فصل تمهيدي
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الفصل الخامس
ابن الشعب
ابن الشعب
تأليف
فرح أنطون
فصل تمهيدي
مقدمة
المشهد الأول
في غرفة الدكتور غراي (الدكتور غراي - أنا غراي زوجته) (الوقت ظلام.) (الدكتور جالس أمام مائدة عليها مصباح ودفاتر وأوراق وهو يستعد للكتابة وزوجته واقفة بجانبه يسراها على كتفه وبيمينها مصباح.)
الدكتور :
جودنيت أنا. فإني لاحق بك بعد حين.
أنا :
كم قد قلت لي هذا القول ثم بقيت ساهرا أمام هذا المصباح إلى قرب الصباح؟ رفقا بصحتك يا چون واذكر أنك الطبيب الوحيد في هذه القرية فإذا أصابك مرض فمن يطببك ولا طبيب هنا سواك.
الدكتور :
جودنيت أنا.
أنا :
تعني أن حضوري ثقيل عليك وكلامي غير مقبول لديك؟ فالأمر لك إذا. أنا ذاهبة عنك ألا تريد شيئا؟ (تهم بالذهاب) .
الدكتور :
كلا. جودنيت.
أنا (ملتفتة إليه) :
إكراما لخاطري ضع نظارتك على الأقل لئلا تؤذي المطالعة بصرك.
الدكتور :
سأضعها.
أنا :
ثنك يو، وحيات عيني لا تطل سهرك. الآن جودنيت.
الدكتور :
جودنيت. (تخرج أنا فيقصد الدكتور المكتبة ويأخذ منها مجلدين ويضعهما على المائدة ويشرع في المطالعة وبعد هنيهة تسمع ضجة تحت النافذة من الخارج.)
المشهد الثاني
الدكتور - عربجي - روبرتس
روبرتس (من خارج المرسح) :
عربجي، انزل واقرع هذه النافذة.
عربجي :
أمرك يا سيدي (العربجي يقرع نافذة الدكتور قرعا)
هو. هو.
الدكتور (مسرعا إلى فتح النافذة) :
ماذا تريد يا بني؟
روبرتس (بلهفة من الخارج) :
أين منزل طبيب القرية يا سيدي؟
الدكتور :
هنا. فما حاجتك؟
روبرتس :
ما أخطأ من هدانا إليه، وأين الطبيب صاحب المنزل؟
الدكتور :
هو أمامك. فماذا تريد؟
روبرتس :
أريد أن تتفضل بفتح الباب يا سيدي لأننا في حاجة إليك.
الدكتور :
أهلا بك، ولكن انتظر قليلا. (يذهب الدكتور ويفتح الباب فيدخل رجل مستور الوجه بوجه صناعي من الأوجه التي يستعملونها في المساخر.)
المشهد الثالث
الدكتور - روبرتس
الدكتور (متراجعا إلى الوراء) :
ما هذا؟
روبرتس :
أنصت ولا تخش شرا.
الدكتور :
ولكن ...
روبرتس :
علام الاستدراك أيها الدكتور، أفتكره مساعدة المتألمين إذا لم تعرف وجوههم.
الدكتور :
معاذ الله.
روبرتس :
وإذا أرادوا إخفاء أسمائهم كوجوههم.
الدكتور :
سيان عندي في صناعتي عرفت وجه الرجل الذي أعالجه أم لم أعرفه إلا ...
روبرتس (قاطعا حديثه) :
لا تخف يا سيدي فلا دخل للسياسة في أمرنا. وأقسم لك بالله على صدق هذا القول. وإنما في المركبة خارجا شخص على شفا الموت. فهل تأذن بإدخاله؟
الدكتور :
على الرأس والعين.
روبرتس :
ألف شكر لك أيها الدكتور الفاضل. أأنت متزوج أم عازب؟
الدكتور :
علام هذا السؤال؟
روبرتس :
لأسألك إذا كانت امرأتك لطيفة وفاضلة مثلك.
الدكتور :
مر ما تشاء.
روبرتس :
تفضل وادعها لتحضر فإن الشخص المفتقر إلى مساعدتك مفتقر أيضا إلى مساعدتها لأنه من جنسها.
الدكتور :
وهل هو امرأة ...؟
روبرتس :
نعم امرأة، ولكن آه، إنها ملاك في صورة إنسان، حياتي منوطة بحياتها يا دكتور، فإذا أنقذتها أنقذت نفسين في آن واحد. ألا تدعو امرأتك ...؟
الدكتور :
سأدعوها الساعة.
روبرتس :
سيدي (يضع كيس نقود على المائدة)
ليس هذا من قبيل الجزاء فإن كل ما في خزانة الملك چورج لا يكافئك على جميل صنعك، ولكنه من قبيل معرفة الجميل.
عربجي (داخلا مسرعا) :
سيدي إن السيدة تناديك بإلحاح.
روبرتس (بلهفة) :
ها أنا ذا (ويخرج مسرعا) .
الدكتور (قارعا باب غرفة امرأته) :
أنا. أنا.
أنا (من غرفتها) :
ما هذه الحركة والضوضاء.
الدكتور :
أتانا زائرون يا أنا فأسرعي إلى هنا.
المشهد الرابع
الدكتور - أنا - روبرتس (تدخل أنا من غرفتها وروبرتس يدخل من الخارج حاملا كارولين بين يديه.)
أنا (مذعورة من لثام روبرتس) :
آه ما هذا؟
الدكتور :
لا تخافي.
روبرتس (لكارولين بعد أن يضعها على المقعد) :
ألا تزالين تتألمين.
كارولين (متململة وملتوية كامرأة على وشك الولادة) :
آه. آه ... ما أشد آلامي.
روبرتس :
ويلاه، دكتور. (يقترب الدكتور منها ويجس نبضها.)
الدكتور :
هذه السيدة حامل يا سيدي وهي على وشك الولادة.
روبرتس :
إذا نحن لا نستطيع السفر.
الدكتور :
هذا أمر مستحيل (في خلال ذلك تبقى كارولين متوجعة) .
كارولين (تخاطب أنا) :
آه، ألا تعتنين بي يا سيدتي؟
أنا (آخذة بيدها) :
اعتنائي بأختي أيتها الحبيبة.
كارولين :
آه، ما أطيب قلبك (تسند رأسها على يديها)
وما أشد عذابي.
الدكتور :
أنا، أخلي للسيدة غرفتك (تخرج أنا) .
روبرتس :
وأنا أهتم بالخيل والمركبة (يهم بالخروج فتمسك كارولين به) .
كارولين :
لا تذهب فإن فرائصي ترتعد إذا غبت عني دقيقة واحدة.
روبرتس :
ولكن لا بد يا عزيزتي من إفراغ الأمتعة هنا وإخفاء المركبة والخيل.
كارولين (متوجعة دائما) :
لا لا فإنني لا أطيق فراقك.
روبرتس :
دكتور ... عفوا ... إني أخجل من تكليفك بهذا الأمر.
الدكتور :
على الرأس والعين يا سيدي. (يخرج الدكتور لتدبير الخيل والمركبة.)
كارولين (متألمة دائما) :
يظهر أنهم قوم كرام.
روبرتس :
نعم. ولكن لماذا وقفنا في هذا المكان بعد أن كدنا نفوز بالوصول إلى الميناء حيث أعددنا كل وسائل الهرب.
كارولين :
آه من هذا الألم الذي أصابني، ولكن لماذا لا ترفع نقابك عن وجهك يا روبرتس.
روبرتس :
أخاف أن يكون أحد من أهل المنزل قد رآني في لندن يوما من الأيام.
كارولين :
وهل كنت ذا شهرة عظيمة فيها.
روبرتس (مخفيا اضطرابه) :
نعم ... دعينا من هذا الموضوع الآن.
كارولين :
وأبي؟
روبرتس :
آه من أبيك.
كارولين :
لا تسئ الظن به لأنه يحبني، ولكن ما الذي منعك من مقابلته وخطبتي إليه، آه، آه ... ما أشد آلامي. (يدخل الدكتور من الباب الخارجي ويستمر سائرا نحو غرفة أنا فيناديه روبرتس.)
روبرتس :
دكتور ... اسمع صراخها.
الدكتور :
أنا راجع كلمح البصر.
كارولين (ملتوية دائما) :
آه، وإن لحق بنا أبي؟
روبرتس :
هذا الذي يرعبني.
كارولين (بقوة وحدة) :
روبرتس إذا وقعت عيني على أبي قبل أن أصير حليلتك مت من الخجل والعار. (يدخل الدكتور وأنا.)
روبرتس :
هذا الدكتور.
الدكتور :
لقد أعددنا كل شيء. (يستندان كارولين فتمشي بينهما متثاقلة أما روبرتس فيحاول التخلص منها.)
كارولين :
إلى أين؟ قلت لك لا أستطيع فراقك.
روبرتس :
ولكن لا بد يا عزيزتي من افتقاد السائق والمركبة، حتى إذا كان أبوكي لاحقا بنا لم يهتد إلينا ... ها، هذا صوت مركبة. (يطل روبرتس من النافذة فلا يرى شيئا.)
الظلام شديد السواد خارجا، تجلدي واصبري يا كارولين فإني عائد بعد حين.
كارولين :
آه لا تطل غيابك فإني أخشى أن أموت دون أن أراك. (تخرج كارولين مع الدكتور ويخرج روبرتس لافتقاد السائق والمركبة.)
أنا :
لماذا يستر هذا الرجل وجهه بهذا الوجه الصناعي، لا ريب أنه من أكابر لندن ويخشى أن يعرفه أحد عندنا. أما امرأته فإنها الآن مستقبلة أشد آلام الحياة وأعظم مسراتها. وأي ألم أشد من ألم الوضع وأية لذة أعظم من لذة البنين؟ فليحفظ الله صغيرها القادم، دعاء تعيسة أحرمتها الطبيعة هذه اللذة الطاهرة.
روبرتس (عائدا) :
سيدتي.
أنا :
سيدي.
روبرتس :
هل تتفضلين بذكر اسمك.
أنا :
أنا غراي.
روبرتس :
مسس غراي لا يخيفك هذا اللثام فإنه يستر وجه رجل كريم.
أنا :
أنا أعتقد ذلك يا سيدي.
روبرتس :
فاسمحي لي أن أسألك نعمة كنت على عزم التماسها من حضرة قرينك.
أنا :
مر بما تريد يا سيدي.
روبرتس :
نحن الآن بين أمرين أيتها السيدة ... إما السفر بعد الولادة وإما الإقامة إلى حين الشفاء التام.
أنا :
السفر وهل تفتكر بالسفر والسيدة في هذه الحالة، لا معاذ الله أن أدعك تسير بها إلا بعد الشفاء التام.
روبرتس :
لا أجد كلاما يعرب عن شكري لك أيتها السيدة ولكن سواء أقمنا أو رحلنا فإننا لا نستطيع أخذ الولد القادم معنا. (تصرخ كارولين صراخ الألم من الداخل.)
روبرتس :
آه هذا صوتها.
أنا :
لا تخف كمل حديثك. ماذا كنت تقول.
روبرتس :
كنت أقول إننا لا نستطيع أخذ الولد معنا خوفا على حياته فهل ترضين أيتها السيدة الفاضلة أن تحتضنيه إلى أجل ... وتسهيلا لذلك نرسل لكم في كل عام أربعة أكياس كهذا الكيس (مشيرا إلى الكيس الذي كان قد وضعه على الطاولة للدكتور)
لتنفقوها على تربيته. فهل فيها الكفاية ...؟
أنا :
فوق الكفاية يا سيدي وسأكون للصغير أما ثانية، فإنني فقدت ابني منذ زمن (متنهدة)
وأحب شيء إلي العناية بالأولاد فكن مستريح الخاطر يا سيدي.
روبرتس :
مثلك فلتكن النساء أيتها السيدة الفاضلة.
أنا :
ولكن اسمح لي أن أسألك ما هو الاسم الذي تريد أن يسمى الولد به؟
روبرتس :
إذا كان غلاما فشارل وإذا كان ابنة فكارولين.
أنا :
هذا الاسم ... واللقب ...؟
روبرتس :
ما اسم هذه القرية ...؟
أنا :
قرية «دار لنكتون».
روبرتس :
إذا تسمينه شارل أو كارولين دار. (يسمع صراخ كارولين من الداخل.)
ها. هذا صوتها مسس غراي. مسس غراي إني أكاد أفقد عقلي عند ذكر عذابها. آه إنها نزلت إلي من علو شاهق وتركت من أجلي ثروة وأهلا ومجدا. فهل تظنين أن هنالك خطرا على حياتها.
كارولين (صارخة من الداخل بقوة) :
روبرتس. روبرتس.
روبرتس (هائما على صوتها وهاجما للدخول) :
آه ما أصابها. (حينئذ يقابله الدكتور في الباب فيتراجع روبرتس إلى الوراء قائلا.)
آه ... سيدي، ماذا جرى.
الدكتور :
برافو، برافو، بشراك غلام سمين.
روبرتس (هاجما عليه ليقبله) :
أنقذت حياتي وحياتها. آه دعني أبكي.
الدكتور :
هل الوقت وقت بكاء؟ اذهب وقبل امرأتك، آه.
روبرتس :
أرشدني إليها.
الدكتور (يدفعه في باب غرفتها) :
من هنا. (يخرج روبرتس، ولكن لا يكاد الخروج حتى يقرع الباب الخارجي فينتبه الدكتور لذلك.)
الدكتور (لنفسه) :
من الطارق في هذه الساعة.
دي سيلفا (يقرع الباب أشد من المرة الأولى من الخارج) :
افتح باسم الملك وإلا كسرنا الباب ودخلنا.
الدكتور :
من أنت؟
صوت آخر (من الخارج) :
نحن رجال الشرطة افتح يا حضرة الدكتور ولا توقع نفسك في شر عظيم.
سيلفا (من الخارج) :
علام المجاملة يا حضرة الضابط فلنكسر الباب ولندخل.
الدكتور (هاجما لفتح الباب) :
لا، قفوا فقد فتحت لكم.
المشهد الخامس
ضابط بوليس - جنديان - دي سيلفا - الدكتور
سيلفا (داخلا بغيظ وعنف) :
أين الدكتور غراي؟
الدكتور :
أنا هو.
سيلفا (آخذا بذراعه) :
لا أطلبهما إلا منك لأنهما في بيتك.
الدكتور (صارخا وهو يتخلص منه) :
هه. عد إلى رشدك تعتدي علي في وسط بيتي.
سيلفا :
إذا أجبني على سؤالي.
الدكتور :
ومن أين لك أن تستنطقني؟
سيلفا :
اقرأ هذا الأمر الملكي (يدفع إليه أمرا فيقرأه جهرا) .
الدكتور : «أمر لحامل هذا الخط بإلقاء القبض على المرأة التي يعينها.» (ثم يخاطب سيلفا.)
الظاهر أنك عظيم النفوذ والجاه حتى استطعت الحصول على أمر كهذا الأمر ضد امرأة من بلاد حرة كبلادنا.
سيلفا :
هذا أمر لا يعنيك، وإنما يعنيك أن تجيب عن أسئلتي أين الرجل والمرأة اللذان دخلا الليلة إلى بيتك؟ ولا تكذب فقد تحققنا دخولهما إلى هذا المكان.
الدكتور :
اضبط كلامك فما اعتدت الكذب لأكذب الآن.
سيلفا (ملقيا بنفسه على الكرسي) :
إذا قم بواجباتك يا حضرة الضابط.
الضابط (مستنطقا الدكتور) :
دكتور غراي ... هل دخل إلى منزلك في هذه الليلة رجل ملثم؟
الدكتور :
نعم.
سيلفا (ناهضا فجأة) :
أين هما وإلى أين ذهبا؟
الدكتور (بهدوء) :
أنا منتظر سؤالك يا حضرة الضابط.
الضابط :
لا يسعني إلا أن أعيد عليك سؤال جنابه أين هما؟
الدكتور :
هما ... هما ... حيث هما.
سيلفا (صارخا) :
قل أين هما ولا تلجئنا إلى استعمال الشدة.
الدكتور (بحنق) :
هما عندي داخلا، فماذا تريد؟
سيلفا :
ماذا أريد ...؟ سأريك ماذا أريد. (يهم للدخول إلى الداخل فيقف الدكتور في وجهه ويمنعه الدخول.)
الدكتور :
قف يا رجل فإنني لا أسمح لك بالدخول.
سيلفا (بجنون) :
ولكنها ابنتي، ابنتي واللئيم خدعها واختطفها.
الدكتور :
ابنتك ...! إذا أسمح لك برؤيتها. ولا أسمح لك بأخذها.
سيلفا :
ماذا تقول؟! حذار أيها الرجل ولا تقل قولا يدل على عصيانك أمر الملك ورجال القانون. (مشيرا للأمر ولرجال البوليس.)
الدكتور (بعظمة) :
أنا الآن فوق الملك والقانون في هذه المسألة ولذلك أقول لك مرة أخرى: إنك لا تأخذها وإن كنت أباها.
سيلفا :
ولماذا ...؟
الدكتور :
لأنك إذا أخذت الفتاة الآن كنت كمن يتعمد قتلها، فإذا بقيت مصرا على عزمك طلبت من رجال القانون بصفتي طبيبا أن يساعدوني لإنقاذ حياة. أنا الآن وحدي مسئول عنها أمام الله والناس.
الضابط :
ما فهمنا، فصرح بما في ضميرك يا حضرة الدكتور.
الدكتور :
إن الفتاة التي تطلبونها قد وضعت منذ بضع دقائق غلاما.
سيلفا (بهياج زائد) :
فلتكن ملونة إذا كنت صادقا فيما قلته ولكن لا، لا إنك تكذب لتنقذها، أليس كذلك؟
المشهد السادس
المذكورون - روبرتس
روبرتس (داخلا) :
دكتور، دكتور، كارولين وابنها في حاجة إليك (ينظر أباها)
إلهي ...
سيلفا (يقبض روبرتس من طوقه ويجذبه إليه) :
تعال أيها اللئيم.
روبرتس (منذعرا) :
المركيز ...
سيلفا :
ويلك أيها اللئيم ... أين ابنتي؟
الدكتور :
هل يحل في بيتي هذا الاعتداء أيها السادة.
سيلفا :
دعني أيها الدكتور ... أجب أيها السافل.
روبرتس :
احذر يا سيدي وإلا خفت أن أفقد صبري.
سيلفا :
وحينئذ!
روبرتس :
حينئذ أنسى أنك أبو كارولين.
سيلفا :
وحينئذ!
روبرتس :
حينئذ يأخذ كل واحد منا حساما ولا يلقيه حتى يسقط أحدنا.
سيلفا :
تجترئ على ذكر البراز بفمك با ابن اللئام؟ لا ريب أن هذا اللثام هو الذي جعلك جريئا إلى هذا الحد، لقد عرفتك فاقصر يا روبرتس فيلداي.
روبرتس :
ويل لي.
سيلفا :
فأجبني إذا، أين ابنتي؟
روبرتس :
داخلا.
سيلفا :
خذني إليها.
روبرتس :
رفقا بها فإن منظرك يقتلها.
سيلفا :
قلت لك خذني إليها.
روبرتس (بقوة وعناد) :
لا يمكن.
سيلفا :
بل أذهب بالرغم عنك.
روبرتس (معترضا بقوة) :
بل لا تدخل أبدا.
سيلفا :
ومن يمنعني الدخول.
روبرتس :
أنا.
سيلفا :
ارجع وإلا ذكرت اسمك.
روبرتس :
وأنت ارجع وإلا ذكرت اسمك.
سيلفا :
وإن ذكرت اسمي.
روبرتس :
حينئذ يقال إن ابنة المركيز دي سيلفا هي زوجة ال ...
سيلفا :
أنصت.
روبرتس :
قلت ذلك لأنها زوجتي وحليلتي أمام الله والناس، والولد الذي وضعته الآن هو حفيدك أردت أم لم ترد.
سيلفا (هاما بالدخول) :
هذا يزيد رغبتي في رؤيتها.
روبرتس (يسد الطريق في وجهه) :
قلت لك إنه يجب أن لا تراها.
سيلفا :
وإن لم أرجع ... أتقتلني؟
روبرتس :
أصنع كل شيء حفظا لها.
سيلفا (صارخا) :
كارولين، كارولين.
كارولين (من الداخل) :
أبتاه ... أبتاه.
روبرتس :
ويل لي فقد سمعت صوته.
المشهد السابع
المذكورون - كارولين (تدخل كارولين منفوشة الشعر والثياب وعليها هيئة المرأة التي هي قائمة من الولادة فتلقي نفسها بارتجاف على أقدام أبيها.)
كارولين :
أبي ... أبي.
أنا (لاحقة بها) :
ماذا تصنعين، ألا تخافين الموت.
كارولين :
آه ما أحلى الموت.
روبرتس :
هذا ما كنت أخشاه.
الدكتور :
كن مطمئنا فإنني لا أفارقها.
سيلفا (إلى كارولين بغضب) :
انهضي.
كارولين :
لا لا، دعني يا أبتي تحت قدميك، دعني أقبلهما واسحقني بهما.
سيلفا :
ويلك يا شقية.
كارولين :
نعم أنا شقية نعم أنا لئيمة عقوقة. أفرغ كل غضبك علي وحدي لأنه هو لا ذنب له غير منعي من إطلاعك على حبنا. (هنا تنهضها أنا والدكتور ويجلسانها على كرسي.)
سيلفا :
تعترفين أيضا.
كارولين :
وما المانع من الاعتراف بحب رجل كريم فاضل مثله.
سيلفا (بغضب) :
هو؟
كارولين :
نعم هو، نعم هو، إذ لو لم يكن فاضلا كريما لما خاطر بحياته لينقذني من الغرق في نهر التيمس يوم سقطت فيه من زورقي.
سيلفا :
كان موتك خيرا من أن ينقذك هذا الرجل.
كارولين :
آه، كنت أحسب أنك تحبني ... وكنت أحبه في بدء الأمر حبي لمن أنقذ حياتي، ولكن رقة عواطفه ودماثة أخلاقه وشرف مبادئه أفقدتني الرشد وأوقعتني في هذا المصاب، فرحمة يا أبتاه وعفوا ...
سيلفا :
لا أعفو.
كارولين :
روبرتس مالك لا تتكلم ... ساعدني بالالتماس والرجاء، اشرح حالنا بطلاقة لسانك فإنه متى عرف ما تقاسيه في منفاك ...
سيلفا (قاطعا حديثها) :
في منفاه، ومن قال إنه منفي.
كارولين :
هو الذي قال لي ذلك، ومن أجل هذا يستر وجهه دائما.
سيلفا :
لقد خدعك أيتها الابنة الساذجة.
كارولين :
هو يخدعني ... معاذ الله، أجبه يا روبرتس ... قل إنك ما خدعتني، ما لك لا تتكلم؟
سيلفا :
أرأيت كيف أنه لا يجسر على الكلام.
كارولين :
روبرتس، قل كلمة واحدة فقط.
سيلفا :
كفي كفي، هيا واتبعيني.
كارولين :
لا أستطيع يا أبتي.
سيلفا :
أإلى هذا الحد تخافين الموت؟
كارولين :
كلا، وإنما أخاف فراقه.
سيلفا :
ويل لك ما أتعسك! أإلى هذا الحد تحبينه؟
كارولين :
آه ... أحبه حب نفسي لجسدي.
سيلفا (بغضب) :
ولكن هذا الرجل حبه العار والشنار وجحيم النار! تعالي.
كارولين :
آه وولدي.
الدكتور :
يا لك من أم تعيسة.
سيلفا :
الدكتور يربيه.
الدكتور :
على الرأس والعين، وأتخذه لي ولدا.
كاورلين (واقفة بقوة) :
لا لا أفارق ولدي، إن الله يعطي الأم ولدا لتحنو عليه وتربيه، لا لتهجره وترميه، فدعني آخذ ولدي.
سيلفا :
هذا محال.
كارولين (بقوة) :
إذا أنا أصرخ، أنا أبكي، أنا أستغيث بكل ذي شهامة ومروءة، فيسمع كل ذي مروءة صراخي ويغيثني، (متلطفة)
أبي دعني آخذ ولدي ولا تحرمني فلذة كبدي، فإني لم أهنأ بعد برؤيته وتقبيله ولم أمسسه بعد بيدي.
سيلفا (إلى رجال البوليس) :
ساعدوني أيها السادة.
الدكتور (وهم يهمون بحملها) :
أشفقوا عليها أيها السادة. (يأتي روبرتس من وراء سيلفا ويضع يده على كتفه.)
روبرتس :
دعوا هذه المرأة. (كارولين تتوسط بينهم.)
كارولين :
أبي أبي، حبيبي روبرتس.
سيلفا :
حبيبك روبرتس؟ لقد زدت جراءة وزاد اللئيم وقاحة، تعالوا جميعا وانظروا حبيبها روبرتس (يخطف لثامه عن وجهه)
ألق هذا الوجه.
الدكتور (للذين تقدموا لينظروا) :
لا لا، أيها السادة.
روبرتس (يعيد الوجه إلى وجهه الذي يكون سقط ولا يكون أحد نظر وجهه غير الجمهور) :
أنصت شفقة على ابنتك.
سيلفا :
لقد أصبت، يجب أن لا يعرفك أحد غيرها (يتقدم إلى كارولين)
أعرفت هذا الرجل؟
كارولين (بدهشة) :
كلا.
سيلفا :
هو جلاد المدينة.
كارولين :
آه (صارخة بأعلى صوتها ويغمى عليها وينزل الستار) .
الفصل الأول
(نفس المنظر الذي في المقدمة ولكن الأثاث والأشخاص قد مر عليها 26 سنة فيجب أن يظهر ذلك في هيئة المكان وعمر الأشخاص.)
المشهد الأول
مبراي، الدكتور غراي (يلعبان بالشطرنج أو الطاولة) أنا، چاني (يشتغلون بشغل يدوي) ريشار (على مائدة يكتب) الدكتور ومبراي يختلفان في لعبة فيقول الدكتور.
الدكتور :
فلنحكم ريشار، ريشار ما رأيك في هذه اللعبة.
ريشار :
عذرا يا أبي فما تتبعت لعبكم لاهتمامي بما في يدي.
الدكتور :
وما في يديك؟
ريشار :
كتابة يجب علي الفراغ منها.
الدكتور :
بشأن الانتخاب؟
ريشار :
نعم يا أبي.
الدكتور :
وإلى أي مرشح عزمت أن تعطي صوتك؟
ريشار :
لنفسي، وأسألك صوتك وأصوات أصدقائك أيضا.
الدكتور :
أنت.
چاني (بفرح) :
تريد أن تكون نائبا؟
ريشار :
وما المانع؟
الدكتور :
ريشار، أذكر أنك لا تزال شابا.
ريشار :
بيت صار وزيرا في الثانية والعشرين من عمره.
الدكتور (لمبراي) :
أما آن أن أخبره بأنه ليس ولدي؟
مبراي :
وما الفائدة من ذلك الآن؟
الدكتور (لمبراي) :
الحق أقول لك إنه يطيب لي أن أراه جريئا مقداما معتمدا على نفسه هذا الاعتماد ... امض في عزمك يا ريشار وجاهد فإن الفوز في هذا العالم للمجاهدين، وأنت يا صديقي ألا تحضر الانتخاب عندنا في هذا اليوم؟
مبراي :
سأحضره ولكن أخشى أن يسألوني عن اسمي وماضي حياتي. وقد قلت لك غير مرة إنني لا أستطيع إطلاع أحد عليه.
الدكتور :
لا بأس فما يسألك أحد شيئا.
أنا :
مسيو مبراي، لا تفارق زوجي اليوم في أثناء الانتخاب فإن الزحام سيكون شديدا.
چاني :
ولا تفارق ريشار أيضا.
ريشار (ناظرا في ساعته) :
قد أزفت ساعة الانتخاب فهيا بنا يا أبتاه قبل فواته (يقومون للخروج) .
أنا :
بحراسة الله ولكن عودوا بسرعة.
چاني :
نجح الله مسعاك يا ريشار. (يخرج ريشار مع مبراي والدكتور من غير أن يجاوب چاني أو ينظر إليها فتبقى چاني مبهوتة مفتكرة.)
المشهد الثاني
أنا - چاني
چاني (بنفسها متنهدة) :
لا سلام، ولا كلام.
أنا :
چاني.
چاني (كمن يعود لنفسه) :
أماه.
أنا :
ما هذا الجمود يا بنية.
چاني :
أفتكر يا أمي.
أنا :
بماذا تفتكرين؟ أراك أصبحت كثيرة التأمل والافتكار يا چاني ولا سيما في غياب ريشار.
چاني :
نعم يطيب لي الافتكار في الوحدة والانفراد.
أنا :
الوحدة والانفراد؟ إذا أنا لست شيئا.
چاني (مراجعة نفسها) :
لا لا أنت؟ أنت أمي ولست غريبة عني.
أنا :
چاني ... لا تسلمي نفسك إلى هذه التأملات.
چاني :
أهي شر يا أماه.
أنا :
تكون شرا أو خيرا بحسب ماهيئتها.
چاني :
وهل من المحرم على الابنة أن تفتكر بأخيها؟
أنا :
لا بأس بأن تفتكر الابنة بأخيها، ولكن الافتكار بمن تعرف أنه ليس أخاها أمر غير حسن يا چاني، إن ريشار يحسب نفسه أخاك، أما أنت فمنذ أدركت الفرق بين العواطف والأميال، أطلعناك على أنه ليس بأخيك لتعامليه معاملة الصديق الرفيق لا معاملة الشقيق.
چاني :
ولماذا لم تطلعوا ريشار على ذلك أيضا.
أنا :
قد أصر صديقنا مبراي على كتمان هذا الأمر عنه.
چاني :
ولذلك لا يحبني ريشار إلا حب الشقيق.
أنا (بلهجة العتاب) :
چاني ما هذا الكلام؟ وكيف تريدين أن يحبك إذا؟
چاني :
عفوا، عفوا يا أماه أريد أن أبكي فهل البكاء شر أيضا.
أنا (آخذة بيدها) :
أمسكي دموعك يا بنية فإن الله يعطي البشر الدموع ليذرفوها في المصائب الحقيقة لا في الآلام الصغيرة الوهمية، وكل إنسان لا يذهب من هذا العالم قبل أن يزرف فيه ما أعطاه الله من الدموع.
چاني :
إذا لم يأت دور الدمع بعد يا أماه.
أنا :
اتركي هذا يا بنية واسليه، تسلي بالرسم فإنك تركتيه منذ مدة.
چاني :
لم أنجح فيه.
أنا :
والبيانو.
چاني :
لقد تعلمت كل القطع التي علمنيها ريشار، أما الباقية فإني أراها في نهاية الصعوبة.
أنا :
آه، إنك تحبينه فوق يحب يا چاني.
چاني :
آه أماه، إنك لا تعلمين (تغطي وجهها بيدها) .
أنا :
ولكنه الجنون يا چاني، تحبينه، وهل تعرفين على الأقل أنه يحبك.
چاني :
يحبني حب الأخت لأنه يحسبني أخته.
أنا :
چاني وإن بقي ريشار يحبك حب الأخت متى علم أنك لست أخته؟
چاني :
كيف ذلك؟
أنا :
يا ويلاه! فلنفرض ذلك فماذا تصنعين؟
چاني :
الذي أصنعه ... آه حينئذ ...
أنا :
ماذا؟
چاني (بحياء واضطراب) :
حينئذ ما أحلى الموت.
أنا :
أإلى هذا الحد يا چاني؟
چاني :
الصحيح يا أماه أنني لا أعرف ما أقوله الآن فلا تحاسبيني على كل كلمة أقولها.
أنا :
حسن يا چاني، فتأني وعودي إلى رشدك وها إني أتركك وحدك لتحاسبي نفسك، فقط لا تنسي أني أمك فيجب عليك إطلاعي على كل ما يسرك ويسوؤك. (تخرج أنا.)
المشهد الثالث
چاني
چاني :
أحقا ما تقول الآن أمي
فيا حزني ويا طول اكتائبي
أيحسبني شقيق الروح أختا
فيا ويلاه من هذا الحساب
قليل منه حب أخ لأخت
وما هو غير ميل وانجذاب
لقد صدقت فليس يحن مثلي
وليس به التبريح ما بي
إذا أخذت يدي يده فجسمي
لذلك في ارتعاش واضطراب
ويبدو عند ذلك ذا جحود
أروح له وأغدو في ارتياب
ولست أراه ذا ولع بشيء
سوى بسياسة أو بانتخاب
دعني الآن سار ولم يسلم
على وضن حتى بالخطاب
فيا ربي لماذا همت فيه
أأللهم المبرح والعذاب (هنا يدخل ريشار بدون أن يراها وهو غضبانا.)
ريشار :
ويل لي.
چاني (لنفسها) :
ما أشد اصفراره واضطرابه.
ريشار :
لقد سقطت آمالي كلها وفوق ذلك أهانوني بقولهم إني لست ابن الدكتور غراي.
چاني (صارخة قليلا) :
آه لقد عرف ذلك.
ريشار (ملتفت إليها) :
أنت هنا يا چاني؟ قولي لي، أما كنت عارفة بأنني لست أخاك.
چاني :
كنت أعرف ذلك يا ريشار.
ريشار :
كنت تعرفين ذلك ولم تطلعيني عليه، كلكم كنتم تعرفون ذلك وكتمتموه عني حتى جاءني في أثناء الانتخاب من قال لي: رح لست بذي اسم ولا ملك لتنوب عن قوم هم أصحاب أسماء وأملاك، فما هو اسمي يا چاني أتعرفينه؟
چاني :
كلا يا ريشار.
ريشار :
بل تعرفينه يا چاني، قولي لي اسمي لأذهب إلى أولئك اللئام وأخبرهم بأن لي اسما كأسمائهم، وأن لي فوق ذلك ما ليس لهم، وهو عقل يفتكر وقلب يتقد، قولي وإلا وقعت في اليأس وضاعت في ساعة أماني أيام وأعوام.
ولكن ...
چاني (بهياج شديد) :
ولكن أضيع عقلي قبل أن أضيع آمالي.
ريشار :
إذ كيف أستطيع أن أرى ما في هذا الدماغ الملتهب خامدا (يقرع جبهته)
وما في هذا القلب المتحرك جامدا (يقرع على قلبه)
خلقت لأقود أمة، خلقت لأكون زعيم شعب يدوي صوته على منبر المجلس في إنكلترا كلها، فويل لأولئك الذين بكلمة واحدة قصوا جناحي غير ناظرين أنه جناح نسر كبير، هل أضيع كل هذه المواهب وأفقد الأمل من الوصول إلى قمة العلا (هنا يدخل خادم) .
الخادم :
سيدي.
ريشار (بحدة) :
ماذا تريد؟
الخادم :
في الباب رجل يطلب مقابلتك.
ريشار :
وهل جاء يعزيني على خيبتي؟
الخادم :
إنه يقول، إنه يروم محادثتك في شأن الانتخاب؟
ريشار :
أدخله، أدخله، ما أضيق العيش لولا قسمة الأمل.
المشهد الرابع
ريشار - چاني - تومسون
تومسون :
صباح الخير يا مستر ريشار.
ريشار :
أهلا بك يا سيدي، على من وقع الانتخاب؟
تومسون :
لم يتم الانتخاب بعد.
ريشار :
وكيف ذلك؟
تومسون :
لقد وقع خلاف شديد بين المنتخبين، لأنهم يطلبون رجلا جريئا لمقاومة الوزارة الحاضرة وليس أحد أجرأ منك.
ريشار :
ولكنك علمت المانع الذي يحول دون انتخابي.
تومسون :
اصرف السيدة لنتكلم في ذلك قليلا.
ريشار (لچاني) :
چاني، أريحي نفسك من سماع حديثنا السياسي.
چاني (تتأهب للذهاب) :
لقد فهمت ولكن كن حكيما (تخرج) . (يأخذ تومسون وريشار كرسيين ويجلسان.)
ريشار :
لقد رأيتك يا سيدي بين الجميع شديد الاهتمام بانتخابي مع أنك لا تعرفني، فماذا الذي حملك على ذلك؟
تومسون :
معرفتي أنك طامع في العلاء.
ريشار :
ومن أين عرفت ذلك؟
تومسون :
عرفت ذلك من نفسي لأني أنا طامع مثلك.
ريشار :
أراك حر الأفكار.
تومسون :
ولكني محب للاختصار.
ريشار :
وعلى أي شيء تعول في طمعك؟
تومسون :
مثلك على الرأس (قارعا رأسه)
وزندي (يقرع يده) .
ريشار :
ومن أنت؟
تومسون :
مثلك لا شيء.
ريشار :
وما الذي أحوجك إلي؟
تومسون :
أحوجني إليك عجزي عن الارتقاء بنفسي، فإني ربيت بين الشعب ولي عليه سلطة ولكنني لا أستطيع استعمال هذه السلطة لنفسي، انظر، لقد سعيت فجمعت لك مائة صوت ولو سعيت لنفسي لما نلت غير صوتي.
ريشار :
إذا تتخذني آلة لك.
تومسون :
كلا ولكني أتخذك سيدا لي، كن أنت السفينة الكبرى فأكون أنا زورقا صغيرا لك، ولكن لا تنس أن الزورق قد ينقذ في ساعة الغرق كل ركاب السفينة.
ريشار :
وإذ رضيت باقتراحك فكيف تكون منزلتك مني؟
تومسون :
تكون المتبوع، وأكون التابع.
ريشار :
أفصح المقال.
تومسون :
إنك الآن تدعى المستر ريشار، فأنا أدعى خادمك تومسون، فإذا أصبحت غدا «الغني ريشار» صرت «وكيلك تومسون»، وإذا صرت «حضرة النائب ريشار» أصبحت «سكرتيرك تومسون»، وإذا صرت «دولة الوزير ريشار» فتومسون يكون حينئذ ما يشاء مولاه الوزير فإنك كريم ولا شرط على الكريم.
ريشار (مادا يده) :
رضيت بشروطك.
تومسون (هازا يده) :
فأنا طوع أمرك.
ريشار :
ولكن كيف السبيل إلى الفوز بعد الفشل الذي وقعت فيه.
تومسون :
تقترن بابنة الدكتور غراي فتصير صهره وترث أملاكه وهكذا تصبح صاحب اسم وملك.
ريشار :
ولكن هذا الأمر يستوجب تأجيلا.
تومسون :
لا تؤجل فهي تكاد تموت شغفا بك.
ريشار :
ومن أين علمت ذلك؟
تومسون :
نظرت في عينها والعين مرآة الفؤاد.
ريشار :
حسن ... وسأسعى في ذلك عاجلا.
تومسون :
وأنا ذاهب للسعي أيضا.
ريشار :
ألا نتمهل.
تومسون :
كلا، فإنه يجب علي العودة إلى حزبنا في ساحة الانتخاب، أستودعك الله (يخرج) .
المشهد الخامس
ريشار - چاني
ريشار :
لقد وجدت الرجل الذي كنت محتاجا إليه عبدا لا يعرف السيادة هذا الذي كنت أطلبه.
چاني (داخلة) :
الظاهر أن أخبار زائرك جاءتك كما تريد.
ريشار :
ومن أين عرفت ذلك؟ (مغيرا هيئته وضاحكا) .
چاني :
عرفته من وجهك فإني فارقتك منقبضا والآن أراك منشرح الصدر.
ريشار :
سروري لم يأتني به هؤلاء يا چاني وإنما وجدته في داخلي.
چاني :
ما فهمت كلامك.
ريشار :
چاني، أنا لست ابن الدكتور غراي.
چاني (مازحة) :
وهل يسرك أن لا تكون ابنا له أيضا الولد عقوق؟
ريشار :
نعم يسرني أن لا أكون ابنا للدكتور غراي لأنه يسرني أن لا أكون أخا چاني.
چاني (منقبضة) :
ماذا تقول؟
ريشار :
أقول ويل لي إذا لم تفهمي كلامي يا چاني.
چاني (بهيئة الجد) :
مستر ريشار ما فهمت شيئا.
ريشار :
ما هذا الجد يا چاني؟
چاني :
وأنت ما هذا الانقلاب يا مستر ريشار؟
ريشار :
السر الذي عرفته.
چاني :
ولكنك كنت عارفا بهذا السر حين دخولك إلى هنا ومع ذلك كنت منقبضا.
ريشار :
چاني أعطني يدك، (يأخذها ويقول لنفسه)
يدها ترتجف (ينشد) :
لما عرفت السر كان الردى
أحب إلي من قعة الفاجع
فخلت آمالي قد ضيعت
وأنت في مأمولي الضائع
حتى أراني القلب أن الهوى
باق وجاني للفتا الجازع
أهواك يا چاني ولم يبق لي
غير هواك الملك الشافع
فإذا لم يكن بك يا چاني مثل ما بي، إذا كانت يدك لا ترتجف وهي بين يدي كما ترتجف الآن، (تهتز چاني من الاضطراب)
إذا كان قلبك لا ينبض نبضا شديدا كما ينبض الآن. (يضع يده على قلبها ليتحقق ذلك.)
چاني :
دعني، دعني (محاولة التخلص منه) .
ريشار (مستأنفا كلامه) :
لأنني عندما كنت أأخذك بين يدي كما أأخذك الآن (يأخذها بين ذراعيه)
كنت لا أجد جبينك ملتهبا كما أشعر به الآن (يضع يده على جبينها) . (فتصرخ چاني وتتراجع إلى الوراء قائلة.)
چاني :
آه.
ريشار :
لو كان ذلك كذلك لتمنيت الموت يا چاني على العذاب في هذه الحياة، أما الآن فلا موت ولا عذاب، إني أحبك، أحبك يا چاني حبا امتلك نفسي.
چاني :
آه ... رحمة ورفقا.
ريشار :
نعم رحمة لي ورفقا بي يا چاني وأحيي قلبي بكلمة واحدة، قولي ألا تحبينني؟
چاني (مضطربة) :
آه ... لا أستطيع الكلام، أكاد أفقد صوابي.
ريشار :
بعيشك يا چاني قولي، ألا تحبينني؟
چاني :
هه ... يسألني إذا كنت أحبه.
ريشار :
فيا لسعادتي.
ظبي تقنصته من بعد نفرته
فيا سعادة قلبي عاده الأمل
كم قد كتمت هواكم لا أبوح به
والأمر يظهر والأخبار تنتقل
وبت أخفي حنيني والحنين بكم
توهما إذ ذاك الجرح يندمل
حتى وثقت بوعد منكم فنما
حبي ووجدي وزال الخوف والوجل
والآن يا چاني فكوني على علم بأني لا أحب الحياة إلا من أجلك وأنني أموت في سبيل حبك وهذه يدي عربونا على صدق قولي. (يجثو أمامها ويمد يديه ثانية لأخذها بين ذراعيه، فتضطرب چاني وتلتفت فترى أباها قادما فتصيح.)
چاني :
أبي، أبي (ثم تفر من بين يديه هاربة فيقول ريشار عند ذلك) .
ريشار (كمن يتصنع الحب) :
لقد أحسنت في الفرار وكفتني مؤونة الكلام والاعتذار.
المشهد السادس
الدكتور - مبراي - ريشار
الدكتور :
ما هذا يا ريشار؟ ولماذا تركت الانتخاب وعدت كالبرق إلى هنا مع ما كان لك من الأمل في الفوز على مناظريك؟
ريشار :
لما عرفت السر كان له وقع الصاعقة على رأسي فأسرعت لألتمس من چاني أن تحسبني أخاها على الدوام حتى إذا رضيت بذلك عدت وسألتك أن تبقيني ابنا لك، فهل تحرمني ذلك يا أبتاه؟
الدكتور :
ريشار، لا أحرمك شيئا في إمكاني، إنك لا تزال عزيزا علي كما كنت، فناديني دائما أباك إذا شئت. أما طلبك أن تكون ابني فقد فهمت غرضك منه ولكنه يستلزم أمرين الأول رضا چاني.
ريشار :
چاني راضية فإنها تحبنين وقد قالت لي ذلك الآن.
الدكتور :
والثاني رضا أمها.
ريشار :
أمها هي أمي فلا أظنها تكره سعادة ولديها.
الدكتور :
ريشار، اذهب وابعث لي زوجتي.
ريشار :
أمرك يا ...
الدكتور :
كمل.
ريشار :
يا ...
الدكتور (ضاحكا) :
ما لك كمل.
ريشار (ملقيا نفسه بين يديه) :
يا أبتاه (يخرج) .
المشهد السابع
الدكتور - مبراي
الدكتور :
ما رأيك فيما جرى؟
مبراي :
رأيي أن هذا الرجل قد أعطي إقداما غريبا، فإنه أخفق هناك فنجح هنا ولا أراه إلا كفؤا لچاني.
الدكتور :
نعم وهذا رأيي أيضا، وقد كنت عزمت منذ صباه على تزويجه بها ولكنني كنت أراه قليل الاكتراث بها، أما الآن فيسرني أنني كنت مخطئا.
المشهد الثامن
الدكتور - مبراي - أنا
أنا :
بعثت ريشار في طلبي يا سيدي.
الدكتور :
نعم أيتها العزيزة فإنني أروم محادثتك في أمر يحلو لك.
أنا :
وما هو هذا الأمر؟
الدكتور :
أنا، صارت چاني في السابعة عشرة وريشار في السادسة والعشرين.
أنا :
أعرف ذلك.
الدكتور :
ألا تذكرين أننا قد تزوجنا بهذا السن؟
أنا (بدهشة) :
تريد زواج ريشار بچاني؟
الدكتور :
وما المانع من ذلك؟ أما أنت التي اقترحت علي ذلك قديما!
أنا :
كان ذلك في خاطري قديما، أما الآن فقد عدلت عنه، وهل سمعتني أخاطبك فيه منذ أكثر من خمس سنوات؟
الدكتور :
والسبب في ذلك؟
أنا :
السبب أن الأيام قد غيرت أخلاق ريشار تغييرا عظيما فإني تتبعتهما بنظر الأم وقلب الوالدة.
الدكتور :
فما الذي رابك منهما؟
أنا :
لم يربني أمر، ولكن ريشار طماع.
الدكتور :
تعنين أنه شديد الحب للعلا والظماء إلى الرئاسة، وهل تخافين شهوة الطمع؟
أنا :
لا أخافها عليه، فإنها قد تبلغ به إلى قمة المجد، ولكني أخافها على ابنتنا.
الدكتور :
ولكن هذا الطمع قد يكون مصدر الفضائل كلها.
أنا :
نعم، ولكنه قد يكون أيضا مصدر الرزائل والجرائم كلها، إن قلب الأم لا يكذب يا ألبرت، وقلبي يحدثني أن چاني لا تكون سعيدة مع ريشار، فإن الزواج مركبة فرساها الزوج والزوجة فإذا اختلفا هذان الفرسان قوة وخلقا كأن كان الواحد قويا والآخر ضعيفا، الواحد شرسا والآخر لينا، الواحد لا يجد راحة ولذة في غير الحمحمة والجري السريع الشديد والآخر لا يجدها في غير السير بتأن وترو - فماذا يكون حينئذ مصير المركبة؟ وكذلك چاني وريشار، فإنهما مختلفان خلقا وذوقا، وريشار شديد هائل كالصاعقة يصعق كل صعب يعترض إرادته، محب مثلها للعلا فلا يرضى غير السحاب مقعدا، وغير الفضاء الواسع مدى، وچاني لطيفة هادئة كبنفسجة ترى رغدها في الاستتار بين الأعشاب لتنشر شذاها من غير أن ترفع رأسها، والناس قلما ينظرون إلى انطباق أخلاق الزوج على أخلاق الزوجة حين إرادة الزواج وذلك شر عظيم يرون نتائجه الوخيمة بعد حين. فهل تريد أنت أن تصنع كباقي الناس؟
الدكتور :
أنا، وإذا كان چاني وريشار متحابين؟
أنا :
كيف ذلك؟
الدكتور :
ذلك أني فاجأت الآن ريشار تحت قدمي چاني فهل تريدين بهذه الأسباب الخيالية التي تعبت بتفصيلها أن تكوني سببا في تعاسة ولدينا؟
أنا :
ولكن من يضمن لنا أن چاني ستكون سعيدة بهذا الزواج؟
الدكتور :
ستكون كذلك لأننا لا نفارقها.
أنا :
وإن رأى الله أن يأخذنا إليه.
الدكتور :
حينئذ يقوم صديقنا مبراي مقامنا ويسهر على راحة چاني بعدنا.
مبراي :
نعم، والله شاهد على ما أقول.
أنا :
فاصنع إذا ما تراه حسنا، أخذ الله بيدك.
الدكتور :
بورك فيك يا أعقل النساء وأحسن الأمهات.
المشهد التاسع
الدكتور - مبراي - أنا - ريشار (ينظر الدكتور فيرى ريشار متلصصا من وراء الكواليس.)
الدكتور (مازحا) :
ههه، ههه، أنت كنت تتصنت على الباب.
ريشار :
لا يا أبتي، ولكني استبطأتكم.
الدكتور (بجد) :
ادخل يا ريشار، ادخل (ينادي چاني)
چاني، چاني (تدخل چاني) .
الدكتور (لچاني بهيئة مزاح وجد) :
لماذا ترفضين يا چاني أن تكوني زوجة لريشار؟
چاني (ساترة وجهها) :
أنا ما قلت ذلك يا أماه. (يضحك الجميع.)
الدكتور (باسما) :
فأنا إذا قلت الآن لريشار كن زوجا لچاني ألا ترضين؟
چاني (بحياء) :
ومتى عصيت لك أمرا.
الدكتور :
قولي إذا، أتكونين زوجة لريشار، لم يبق لإتمام ذلك غير رضاك.
ريشار :
أسمعت يا چاني؟ لم يبق غير رضاك.
چاني :
ريشار أنت أدرى بجوابي.
الدكتور (بجد) :
راح الآن الهزل وجاء الجد، ريشار، اسمع يا بني إني أمام هذا الصديق الحميم (مشيرا إلى مبراي)
الذي هو وحده شاهدا علينا، وأمام الله الناظر الآن من علاه إلينا، أعطيك أنا وامرأتي يد چاني بعد أن أعطتك هي قلبها فليكن لك عليها حقوق الزوج، ولتحل سلطتك محل سلطتنا عليها، ولكن انظر قبل ذلك إلى هذه الدموع التي تترقرق في عيني أمها واصغ إلى صوتي المرتجف من تأثري وانفعالي. إن أبا وأما يضعان الآن بين يديك أعز ما لديهما في الوجود، ويمنحانك نفسا مركبة من نفسيهما، فاجعل هذه النفس سعيدة يا ريشار تحسن إلينا كما أحسنا إليك، وعظامنا تدعو لك من تحت الثرى.
مبراي (أخذا بذراع ريشار) :
ريشار إن الله يسمع الآن هذا الكلام.
ريشار :
وقلبي يسمعه أيضا يا سيدي.
أنا :
چاني، كوني زوجة صالحة.
چاني :
سأقتدي بك يا أماه.
الدكتور (ناظرا في ساعته) :
قد حانت ساعة الانتخاب يا ريشار، فهل نسيت؟ إياك أن تشغلك چاني عنه.
ريشار :
وهل تريد أن أواظب على سعيي في الحصول على النيابة في مجلس العموم.
الدكتور :
كيف لا؟ فإن مستقبلك لم يعد لك وحدك بل صار لچاني أيضا.
ريشار :
فأنا ذاهب إذا بالسعي والاهتمام، أستودعك الله يا چاني.
الدكتور :
تودعها؟! أأنت ذاهب إلى الصين؟
ريشار :
كلا، ولكن هذه شريعة المحبين (على حدة في نفسه)
أف لقد أضعنا الوقت بالكلام الفارغ (بصوت عال)
ولكني قبل المسير أريد لونا أتخذه شعارا لحزبي. (يذهب إلى چاني ويفك شريطة زرقاء مربوطة بوسطها.)
ريشار :
هذا هو شعارنا، وسأفوز على مناظري إن شاء الله.
وشعاري اتخذته أزرق الل
ون لسر يدريه آل الذكاء
إنني أبتغي سموا على الناس
جميعا فاخترت لون السماء
الفصل الثاني
(في ساحة الانتخاب جمهور من الناس في حركة وحديث وضوضاء ويكون بينهم ثلاث أو أربع نساء حاملات أطباقا عليها شرائط بعضها زرق وهي لحزب ريشار، وبعضها صفر وهي لحزب خصمه، وكل واحدة من البائعات تنادي على بضاعتها، واحدة تقول الأصفر الأصفر، وواحدة تقول الأزرق الأزرق، وفوق الساحة بلكونان مشرفان عليها أو نافذتان.)
المشهد الأول (يدخل ريشار في وسط حزبه ويكون حوله رجال معلقين بقبعاتهم وعرى ثيابهم الشرائط الزرق التي هي علامة حزبهم، ويكون ثلاثة منهم حاملين أعلاما مكتوب على أحدها (ليحيى ريشار) وعلى الثاني (ريشار دون سواه) وعلى الثالث (ريشار والإصلاح)، فيلتفت أحد أصحابه إلى ريشار ويقول.)
أحد الأصحاب :
هل زرت أصدقاءنا يا مستر ريشار؟
ريشار :
نعم وسأنال الأكثرية إن شاء الله، هلموا بنا داخل الحانة أيها السادة. (ثم يدخلون من جهة مقابلة للجهة التي دخلوا منها ... فيدخل حينئذ ستنسون خصمه في موكب كموكب ريشار وحوله أنصاره وعلى قبعاتهم شرائط صفر وهم حاملون أعلاما على واحد منهم (ليحي ستنسون) وعلى الآخر (ستنسون دون سواه) وعلى الثالث (ستنسون والشرف) فيلتفت أحد أصحابه إليه ويقول.)
أحد الأصحاب :
هل زرت أصدقاءنا أيها السيد؟
ستنسون :
نعم وسأنال الأكثرية إن شاء الله، ولكن هلموا بنا لنستريح أيها السادة. (ثم يدخلون من المكان الذي دخل منه ريشار إلى داخل الحانة المشرفة على الساحة ويقف ريشار وستنسون كل واحد منهما في بلكون أو نافذة مشرفة على الشعب المجتمع في الساحة، ثم يكون في الساحة مائدة يجلس عليها مأمور الانتخاب من قبل الحكومة ومعه مساعدان وعلى مائدة أخرى صندوق الانتخاب ليضع فيها المنتخبون أوراقهم.)
تومسون (داخلا) :
اسمعوا، اسمعوا أيها السادة الإنكليز، فإن أخطب الخطباء وأبلغ البلغاء، السير ريشار يريد الخطابة. (يصيح بعض حزبه.)
بعض الحزب :
هس، هس، اسمعوا ريشار، هس، هس. (هنا ينصت الشعب قليلا وعند ذلك يدخل الدكتور غراي ومبراي وچاني وأنا فينتظرون ريشار في البلكون فيشاورون إليه بمناديلهم ويشير إليهم بيده ثم يتأهب للخطابة.)
ريشار :
أيها السادة الكرام. (صراخ حزب الأزرق قائلين.)
حزب الأزرق :
برافو، برافو، هس، هس. (صفير من الحزب الأصفر.)
ريشار :
لا شك أن بعضا منكم يستغرب إقدامي على مزاحمة المستر ستنسون المتربع في كرسي النيابة عن هذه المقاطعة في مجلس العموم منذ 35 عاما، وحقهم أن يستغربوا ذلك ما دامت عائلة دربي تدعي ملكية كراسي البرلمان ادعائها ملكية البلاد. (حزب الزرق والصفر بعضهم يصرخ: برافو، برافو، تمام، تمام.) (وبعضهم يقول: لا لا، بس بس ، بقى هس.)
ريشار :
لا تحاولوا إنكار هذه الحقيقة الثابتة، فإن للمقاطعة سبعة كراسي في مجلس النواب وعائلة دربي تجلس عليها سبعة أرواح شيطانية كأنها جهنم تمثلها الخطايا السبع الأصلية. (تصفيق عظيم من الزرق واستهجان من الصفر.)
ولكن قد أفل نجمهم وسقط حكمهم، إني أنا ابن الشعب أخوكم وابنكم أتيت أستنجدكم على أعدائكم.
الزرق :
برافو، برافو (تصفيق) .
ريشار :
فإن ساعدتموني رفعت شأنكم وحفظت حقوقكم.
الزرق :
أيوه كده أمال.
ريشار :
وأنا أطلب مساعدة الزرق لا الصفر، أيها الصفر تريدون الذهاب فاذهبوا إلى عائلة دربي فإنه لونهم وشعارهم.
الزرق :
ههه، ههه (تصفيق) .
ريشار :
ويا أيها الزرق تريدون رد حقكم المسلوب ومالكم المنهوب فامنحوني أصواتكم، انتخبوني نائبا عنكم أكن لكم سيفكم الذي به تضربون وتكونون لي درعي التي بها أتقي، ولا تنسوا أن يد الله مع الجماعة وأن صوت الشعب صوت الله.
أحد الزرق :
ههه، برافو برافو، والله عال، كمان يا أخويا، هس، هس. (عندما يفرغ ريشار من الخطابة يلتفتوا الجميع إلى المستر ستنسون الذي يكون واقفا في البلكون الثاني.)
ستنسون :
يا سكان دار لنكتون (صفير قليل)
بيانا لسوء نية هذا الطالب الجديد (صفير وتصفيق) (ويعيد الكلام ثانيا)
بيانا لسوء نية هذا الطالب الجديد، لا أوجه أنظاركم إلى ما هو جاري الآن في هذا المكان (أصوات تصرخ فيه).
الصفر :
أبويا أخويا.
الزرق :
بس دا الكلام الفارغ خبر إيه.
الصفر :
هس، هس بس بقى اسمعوا المستر ستنسون كما سمعنا المستر ريشار.
ستنسون :
قابلوا بينما كان في الهدو والسكينة في الانتخاب الماضي وبين الجلبة والنزاع في هذا الانتخاب. (الزرق تضحك ضحكا شديدا.)
ستنسون :
فهل تسمحون لكل رجل ولو كان وضيع الشأن أن يكدر صفو هذه المقاطعة. (استهجان من الزرق وصراخ.)
ستنسون :
ومتى صار الناس يستطيعون إهانة عائلة دربي التي هي فخر إنكلترا وزينتها.
الصفر :
برافو، برافو (تصفيق) .
أحد الزرق :
وأية فائدة لنا منها.
ستنسون :
قد مضت ثلاثة قرون وأبناء هذه العائلة أسياد هذه البلاد.
أحد الزرق :
لا نعرف أسيادا، لا نعرف أسيادا نحن أحرار، نحن أحرار . (صراخ عظيم وملاكمات بين الصفر والزرق فيهجم الزرق على أعلام الصفر ويرمونها وينقلبون عليهم فيقول حينئذ ستنسون.)
ستنسون (بصوت قوي جدا) :
عودوا إلى رشدكم أيها الإنكليز، فإن هذا الشاب يخدعكم، أتصدقون أن هذا الفتى يطلب أصواتكم للدفاع عن حقوقكم وعيالكم وأموالكم، بل سلوه قبلا هل هو ذو مال لينوب عن أصحاب الأموال، له عائلة لينوب عن العيال، إنه لقيط لا يعرف له حسب ولا نسب، وهذا الدكتور غراي الذي يزعم أنه أبوه شاهد حق على ما أقول.
الزرق :
أنت الكذاب، أنت اللئيم، أنت اللقيط. (صفير تصفيق قهقهة ثم يظهر الدكتور غراي أنه يريد الكلام فيصغى الجميع إليه.)
الدكتور :
نعم ليس السير ريشار بابني (تصفق الصفر وتضحك فيستاءوا الزرق)
لكنه صهري، زوج ابنتي. (تصفق الزرق وتضحك فيستاءوا الصفر.)
ستنسون :
يعني الدكتور بهذا القول أنه تبناه ولكن هل أعطاه شيئا من فضائله. إن هذا الشاب شديد الطمع والكبرياء، وصل إليكم وبالكبرياء يخويكم بالكبرياء ... (هنا يضع صوته بين أصوات الشعب ويظل هو صارخا والشعب يصرخ فيقف مأمور الانتخاب ويشير بيديه علامة السكوت فيسكت الجميع ... في أثناء الخطابة يكون تومسون نصر ريشار مهتما بجميع أوراق الانتخاب وهو ينتقل من واحد إلى آخر يحرضهم على انتخاب ريشار والشعب يتناول من حين إلى حين أوراقا فيضعها في صندوق الانتخاب الظاهرة أمام الناس.)
مأمور الانتخاب :
لقد مضى ربع ساعة ولم يتقدم أحد للاقتراع فبناء على ذلك أعلن إقفال صندوق الانتخاب لإطلاعكم على النتيجة. (سكوت عميق، المأمور يعد الأوراق التي تكون في الصندوق هو ومساعداه.)
المأمور (معلنا رسميا) :
نتيجة الانتخاب أن المستر ريشار نال 142 صوتا والمستر ستنسون 137 صوتا، وبناء عليه أعلن المستر ريشار نائبا عن دار لنكتون. (هنا تنفجر أصوات الفرح من صدور الزرق، فيصرخون ويهجمون على الصفر، فينزلون أعلامهم ويطردونهم، وينزل ريشار إلى المرسح فيحيط به أصحابه وهو بهيئة الانتصار بعد أن يسلم على الدكتور ومبراي وچاني وأنا وجميع الحاضرين مصافحة بالأيادي ثم يصبح صاغ بين الحاضرين ويقول.)
أحد الحاضرين :
حفلة الكرسي.
غيره :
نعم حفلة الكرسي، حفلة الكرسي. (يخرج بعض الحاضرين ويعودون بكرسي جميل إلى المرسح فيتقدم تومسون من ريشار ويأخذ ذراعه ويقترب به إلى الكرسي وحوله الجمهور ويقول.)
تومسون :
اصعد إلى الكرسي إنك بيننا
أولى به يا أعظم الرؤساء
ريشار :
الآن أصعد واثقا أني به
سأنال ما أبغي من العلياء
هو سلم أرقى عليه إلى الذي
يرقى إليه معاشر الشرفاء
أيدتموني يا رفاقي فاغنموا
شكر الجميل أبثه وثنائي
الجميع (لحن) :
الشكر يا رب العلا لك لا لنا
إذ كان منك بذاك حسن رضاء
إنا كفا أن تكون رئيسنا
شرفا فإنك صيرت الأكفاء
ريشار :
قد جاء يوم النصر فلنفرح بما
نلناه من فوز على النبلاء
وأنا عليهم بالمصائب قادم
ويل لهم مني ومن نصرائي
الفصل الثالث
المنظر الأول (مجلس العمد وراء المرسح لا ينظر منه سوى الرئيس الجالس على كرسي مرتفع في الوسط وذلك من داخل المرسح وحركة وضوضاء على جانبي الرئيس وراء الستار، وأناس يروحون ويجيئون. أما المرسح فهو بمثابة دهليز لمجلس العموم ويكون فيه مبراي واقفا ينظر ويتصنت على ما يجري في المجلس من وراء الستائر الحاجبة المجلس عن المرسح.)
المشهد الأول
مبراي (يتصنت من وراء الستائر وحينئذ يكون ريشار يخطب من وراء الستائر بصوت بعيد بالكاد يكون مسموعا ولما يفرغ يسمع تصفيق شديد من الداخل وصراخ: برافو برافو من الجميع، فيصفق مبراي أيضا على سبيل التحمس ثم يلتفت للجمهور قائلا.)
مبراي :
برافو برافو ما أبلغ كلامه وأشد سهامه، أين عيناك يا چاني تنظران ما صار إليه زوجك من المنزلة السامية والمقام الرفيع.
حارس (داخلا مسرعا) :
اخرج، اخرج فقد خرج أعضاء المجلس.
مبراي (داسا في يده قطعة من النقود) :
أخرج وأعيد لك شكري. (يخرج.)
المشهد الثاني
ريشار - تومسون
ريشار :
لماذا طلبت أن تخلو بي؟ هل لديك أخبار عن امرأتي؟
تومسون :
وما الذي أخطرها في بالك، وقد قلت لي إنه قد مضى عليك ثلاثة أشهر ولم تكتب لها حرفا واحدا.
ريشار :
رأيت من وراء هذا الستار وجها كوجه مبراي، يطيل النظر إلي.
تومسون :
كلا أيها السير ريشار، ما سألتك الخلوة بك لأحدثك عن امرأتك ولكن عمن صارت أطوع لك من امرأتك.
ريشار :
ومن تعني بذلك؟
تومسون :
الوزارة الحاضرة.
ريشار (ضاحكا) :
ها، لقد خفضوا رءوسهم المتكبرة.
تومسون :
لم يخفضوها خفضا، ولكن يمرغونها بالتراب تحت قدميك.
ريشار :
وماذا يريدون؟
تومسون :
يطلبون أن تعدل عن مقاومة الوزارة وعن المعارضة في عقد القرض الذي يرومونه.
ريشار :
هذا محال، لأنني لا أخون الشعب.
تومسون :
كأن فوزك قد أسكر لبك أيها السير ريشار، أنسيت مراتب العلاء؟
ريشار :
وماذا أريد أكثر مما أنا فيه؟ فإنني أدير الآن سياسة إنكلترا كلها من منبر هذا المجلس.
تومسون :
نعم، ولكنك قد أنفقت ثروة امرأتك كلها تقريبا لأن مقامك يقتضي نفقات طائلة، وقد مضت على نيابتك ثلاثة أعوام، وبقي أمامك ثلاثة أعوام أخرى فماذا يبقى لك بعد أن تنفق باقي ثروة امرأتك فيها.
ريشار :
يبقى لي فقر شريف منزه عن كل وصمة.
تومسون :
ولكن الفقر لا ينصر في الانتخاب القادم، وأنت تعلم ما يقتضيه الانتخاب من المال.
ريشار :
إن الشعب لا ينسى نصيره.
تومسون :
الشعب قصير الذاكرة يا ريشار وقد شبهوه بقلب المرأة تقلبنه وهو قادر على الوضع لا الرفع، ولا تنال مراتب العلياء إلا بالملوك والوزراء.
ريشار :
والحاصل، من جاء إليك؟
تومسون :
جاءني المركيز سيلفا.
ريشار :
وما غرضه من بقاء الوزارة؟
تومسون :
له علامات خصوصية معها، فإذا سقطت بسبب مقاومتك لها خسر خسارة كبيرة.
ريشار :
وما هي شروطه؟
تومسون :
ستسمعها من فمه.
ريشار (مجفلا) :
ويلك يا أبله، وهل قلت له إنني أسمع مثل هذا الكلام؟
تومسون :
لو قلت له ذلك لكنت أبله في الحقيقة ولكني سألته أن يلاقيني إلى هنا لنتحدث على انفراد فادخل أنت إلى هذه الغرفة واسمع منها حديثنا.
ريشار :
أحسنت صنعا، ولكن لا تعده بشيء، فإني أريد أن أكون حرا أفعل ما أشاء وأرفض ما أشاء. (يستعد للدخول إلى الغرفة فيواجهه مبراي.)
المشهد الثالث
مبراي - ريشار - تومسون
مبراي :
يظهر أن حضوري قد أزعجك يا ريشار.
ريشار (يدير له ظهره ويعود عن الغرفة) :
أخطأت يا مستر مبراي.
مبراي :
كان يجب أن أنتظرك في منزلك، لأحدثك بالأمر الذي قصدت لندن من أجله. ولكن رغبتي في استماع كلامك في مجلس العموم ساقتني إلى هذا المكان، لقد سمعت الآن خطبتك يا ريشار فقلت في نفسي: إن الدكتور غراي رحمه الله لو رآك بتلك العظمة والسلطة لهنأ نفسه بأنه منح إنكلترا رجلا عظيما مثلك.
ريشار (يتكلف) :
أشكر لطفك يا سيدي. (يكون تومسون قد خرج ليطلب من الحارس أن يستدعي سيلفا ثم يدخل.)
تومسون (هامسا في أذن ريشار) :
الرجل ينتظر خارجا.
ريشار :
فلينتظر.
مبراي :
نعم يا ريشار، إنني باسم جميع محبيك أجهر بأنك تجاوزت كل آمالهم بصفتك إنكليزيا، ولكنك خيبت آمالهم بصفتك زوجا وابنا.
ريشار :
أرى مديحك يشوبه ذم.
مبراي :
نعم، وهذا الذم أوجهه إليك بالنيابة عن أبيك الدكتور غراي وباسم زوجة مسكينة تحبك وقد جعلتها وحيدة فريدة في قرية صغيرة ولا رفيق لها إلا شيخ (مشير إلى نفسه)
يمزج دموعه بدموعها.
ريشار :
وما الداعي إلى كل هذه الدموع؟
مبراي :
الداعي إليها أن چاني تحبك، وأنت تحتقرها.
ريشار :
وهل تصدق چاني أنني أحتقرها.
مبراي :
كيف لا تصدق ذلك وقد هجرتها منذ ثلاث سنوات وكتمت عن الناس زواجك بها؟
ريشار (إلى تومسون) :
ألا يزال الرجل ينتظرني؟
تومسون (بحركة متهكما على مبراي) :
نعم، وقد فرغ صبره ...
مبراي :
الظاهر أنك سئمت من هذا الموضوع يا ريشار.
ريشار :
ما سئمت شيئا، وإنما علي مقابلة رجل ينتظرني.
مبراي :
ليس شئون الناس أهم من شئون زوجتك التي هي شئونك، ومع ذلك قابل رحلك وسأعود إليك بعد ذلك. (يخرج ريشار.)
المشهد الرابع
مبراي - تومسون - سيلفا (قبل دخول سيلفا يدخل ريشار إلى الغرفة.)
سيلفا (وهو داخل) :
ها أنا ذا يا مستر تومسون. (ينظر سيلفا فيرى مبراي فيطيل النظر إليه، وكذلك مبراي ينظر إليه فتظهر عليه علامات الجزع، فيسأل تومسون.)
مبراي :
من هذا الرجل؟
تومسون :
المركيز سيلفا (سيلفا يأخذ تومسون على حدة) .
سيلفا :
من هذا الرجل؟
تومسون :
هو مبراي.
مبراي (يجزع) :
يجب أن أفر من هذا المكان خوفا من الفضيحة (يخرج) .
سيلفا :
ومن هذا مبراي فإنني لم أسمع بهذا الاسم قبل الآن ما لنا وله.
تومسون :
فقد راح إلى سبيله.
سيلفا :
وأين السير ريشار؟ (بصوت منخفض) .
تومسون :
هناك (مشيرا إلى الغرفة) .
سيلفا (بصوت عال) :
أرجوك يا مستر تومسون أن تصغ لإتمام الحديث الذي بدأنا به.
تومسون :
تكلم يا حضرة المركيز ... تفضل واجلس (يجلسان) .
سيلفا :
لا أخفي عنك يا مستر تومسون أن الوزارة مستغربة أشد الاستغراب بما يبذله السير ريشار من الجهد في مقاوتها.
تومسون :
ولكنه يدافع عن حقوق منتخبيه يا حضرة المركيز. فهل تريد أن يخونهم؟
سيلفا :
معاذ الله أن أطلب منه خيانة حزبه وإنما نطلب الاتفاق معه.
تومسون :
إذا أنتم تقترحون عليه رشوة.
سيلفا :
كلا، وإنما نقترح عليه مخالفة.
تومسون :
ولكن نواب الشعب لا يخالفون النبلاء.
سيلفا :
ولكن ما قولك إذا تزوجوا من بنات الأشراف؟
تومسون :
ما فهمت كلامك، فأوضح.
سيلفا :
أليس السير ريشار عازب.
تومسون (بعد تردد قليل) :
بلى هو عازب.
سيلفا :
فإذا اقترن بإحدى بنات الأشراف تغيرت مصلحته وصار من واجباته الدفاع عنهم لا مصادمتهم ومقاومتهم. لأن الذي ينظر إلى المسائل العمومية من أسفل ليس كمن ينظر إليها من عال.
تومسون :
ولكن لماذا اخترتم إلى مخالفته سبيل الزواج دون سواه؟
سيلفا :
لنكون على ثقة من دوام مخالفته ومصادقته.
تومسون :
وهل يمكنك أن تطلعني عن اسم العروس؟
سيلفا :
اسمها مس ويلمور.
تومسون (منحنيا) :
حفيدة جنابكم.
سيلفا :
نعم، فإن ابنتي كارولين اقترنت باللورد ويلمور فولدت منه قبل وفاته هذه الابنة. وهي وحيدتها وإيرادها السنوي من أملاكها، ماية ألف جنيه إنجليزي، وفوق ذلك في خاطري أن ألتمس من الملك أن يعطي الرجل الذي يقترن بابنة اللورد ويلمور لقب أبيها فيكون لوردا مثله.
تومسون :
فهمت اقترحاتك يا سيدي، وسأعرضها الليلة على السير ريشار، ولكن من يضمن للسير ريشار أنكم تخترون له هذه الوعود إذا ترك معارضة الوزارة.
سيلفا :
إذا رضي باقتراحاتنا فلا تغرب الشمس غدا حتى يكون كل شيء بين يديه.
تومسون :
سأبلغه الاقتراحات وأرى رأيه.
سيلفا (ناهضا للذهاب ) :
ولكني أرجو التعجيل مخافة فوات الوقت.
تومسون :
الأمر أمرك يا سيدي. (يخرج سيلفا.)
المشهد الخامس
تومسون - ريشار (خارجا من الغرفة)
تومسون :
ما رأي السير ريشار فيما سمع؟
ريشار :
إنني آسف لأنني لا أستطيع الرضا بذلك.
تومسون :
ولماذا؟
ريشار (واضعا يده على كتف تومسون) :
هل نسيت زواجي بچاني؟
تومسون :
وأنت هل نسيت الطلاق؟
ريشار (بدهشة) :
الطلاق؟ كيف أطلق چاني ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا رضيت به.
تومسون :
إذا رفضت فإنك ترغمها عليه.
ريشار (مبهوتا) :
وبأية وسيلة.
تومسون :
سنجد الوسيلة متى بحثنا عنها.
ريشار (خاطرا ذهابا وإيابا وهو يفتكر) :
ومتى يطلبون الجواب؟
تومسون :
غدا مساء وعندي أن تغتنم فرصة غياب مبراي عن چاني وتسافر لتدبير أمرك معها. (هنا يدخل مبراي ولا يزال مذعورا من تذكار رؤية سيلفا.)
تومسون :
عاد مبراي. اذكر الديب وهي القضيب.
مبراي :
نعم رجعت يا ريشار لأعلم ماذا أجيب چاني غدا.
ريشار :
أرجوك يا مستر مبراي أن تمهلني قليلا فأعطيك الجواب غدا مساء إن شاء الله.
مبراي :
أمهلك ما شئت.
ريشار :
شكرا لك ... (لتومسون)
فليعدوا لي مركبة للسفر.
المشهد السادس
تومسون - مبراي - ريشار
مبراي (لنفسه) :
يسافر، وإلى أين يسافر؟ (يدخل سيلفا ويذهب رأسا إلى الستائر التي تفصل مجلس العموم عن المرسح ويبقى متصنتا عليها.)
الرئيس (صوت الرئيس من الداخل) :
نسمع الآن السير ريشار ردا على خطاب وزير المالية (صراخ في المجلس وجلبة)
اسمعوا، اسمعوا، ريشار يتكلم، هس، هس.
ريشار (من الداخل) :
قد عدلت عن الكلام. (يتنفس سيلفا الصعداء ويقول مسرورا.)
سيلفا :
لقد خطى الخطوة الأولى.
تومسون :
وبعد الخطوة الأولى يهون كل شيء.
مبراي (صارخا بنفسه) :
سقبا لك أيتها المرأة الفاضلة أنا غراي. فإنه لم يعرف أخلاق ريشار أحد غيرك.
المنظر الثاني (منزل چاني في البرية، چاني واقفة في إحدى الغرف أمام بالكون أو نافذة مشرفة على القضاء في صدر المرسح، ويحسن جعل القضاء ورواء النافذة أو البالكون ظاهرا، فيرى الحاضرون أن وراء النافذة عمقا عظيما.)
المشهد الأول
چاني
چاني :
آه من طول وحدتي وانفرادي
وشقائي المبرح التمادي
وابتعادي عن وجه زوجي حبيبي
بل ظلموا في الذي يحب ابتعادي
عشت من بعده ثلاثة أعوا
م طوال علي سود شداد
لا رفيق ولا سمير يواسيني
سوى الدمع والجوى والسهاد
أشتكي لوعتي فلا يسمع الشك
وى سوى ما يحيط به من جماد
وأعد النجوم ملقية السمع
إلى كل خافق مرتاد
آه يا والدي خلفتماني
لقرين قاس كثير العناد
كنتما تحسبانه صادقا ال
وعد شريفا برا رحيم الفؤاد
فحرام عليك يا قلب ري
شار حفاني الذي أضاع رشادي
أنا لا أترك الوداد وإن لا
قيتني مثل ما تلاقي الأعادي
آه، ما أصعب المعيشة في هذه الوحدة، راح مبراي إلى لندن ليرى ريشار لعله يلين قلبه فيخيل لي الآن لشدة وحشتي أن مبراي لا يعود أيضا، وقد وعدني بأنه يكتب إلي حين مقابلته ريشار فلعل كتابه قد ورد.
المشهد الثاني
چاني - باتي
چاني (منادية) :
باتي، باتي.
باتي (داخلة) :
مولاتي.
چاني :
هل وردت إلي كتب يا باتي؟
باتي :
كلا يا سيدتي.
چاني :
متى ورد لي كتاب فأتني به على عجل ... اسمعي ما هذا؟
باتي :
ماذا؟
چاني :
ما هذا الصوت؟ أظنه صوت مركبة، نعم هو صوت مركبة وقد وقفت أمام الباب؟
باتي :
أظن مبراي قد عاد من لندن.
چاني :
كلا فإن مبراي يعود في المركبة إلى القرية، ويصل إلى هنا ماشيا. ليس القادم مبراي بل شخص آخر أحس يا باتي بشدة خفقان قلبي، وأظن أن القادم هو السير ريشار نفسه ... آه لا أستطيع النظر إليه ولكن ما أشد حمقي كيف يخطر لي أن ريشار يأتي لزيارتي بعد طول هجره لي ... ها، ولكن هذا وقع خطاه ... هو، هو بعينه. آه ... (تلقي نفسها بين ذراعي ريشار حين دخوله.)
المشهد الثالث
ريشار - چاني
ريشار :
ما بك يا چاني.
چاني (باكية) :
يسألني ما بي ... بي أنني أبكي وأذوب شوقا إليك، بي أنني لم أرك منذ سنة كاملة ... أفهمت ما بي؟
ريشار (متفلتا منها بلطف) :
كفكفي دموعك يا چاني وهدئي روعك.
چاني :
نعم أصون دموعي
وأنتهي عن ولوعي
فقد رجعت إلى من
تهواك خير رجوع
بعد ابتعادك عاما
أحرقت فيها ضلوعي
وليس لي من معين
وليس لي من شفيع
ريشار :
نعم قد عدت إليك يا چاني، واغتنمت فرصة غياب مبراي لأخاطبك على انفراد.
چاني (تتعجب) :
على انفراد؟! وهل لديك سر تروم إطلاعي عليه؟
ريشار :
لدي مسألة أطلب منك الموافقة عليها.
چاني :
موافقتي أنا؟ فيا لسعادتي، مرني ما تشاء، أأنت في حاجة إلى المال لأبيع إحدى مزارع أبي؟ فإن مقامك في لندن يستلزم ولا بد نفقات طائلة.
ريشار :
كلا يا چاني، لست في حاجة إلى المال.
چاني :
فما غرضك إذا؟ اجلس أولا يا حبيبي. (تقدم له كرسيا.)
ريشار :
لا أستطيع الجلوس لأني مسافر بعد ساعة.
چاني :
تسافر من غير أن تأخذني.
ريشار :
لا أستطيع أخذك الآن.
چاني (بحزن وانكسار) :
اجلس إذا فأكون شاهدتك ساعة على الأقل.
ريشار :
هل تضجرين في هذا المكان؟
چاني :
لا أضجر من الانفراد، ولكن أضجر لأني بعيدة عنك لا سيما وأنك لا تجاوبني على رسائلي.
ريشار :
أظنك تعرفين السبب.
چاني :
لا تعتذر لا تعتذر
إني بشغلك دارية
لكننا جنس النس
اء نرى الحياة الغالية
موجودة للحب لا
للحادثات القاسية
ولذاك كنت نسيت س
عيك في الأمور الجارية
حتى فطنت لما عليك
به بلادك قاضية
فشكرت صنعك كلما
أتلو الجرائد نائية
وطربت لاسمك حين ت
ذكره بحمدك داعية
فلقد هززت الأرض بالخ
طب الغوالي العالية
يا ليتني قد كنت سا
معة كلامك رائية
ريشار :
ولكنك تعلمين أن حالتنا المالية لا تساعدنا على ذلك.
چاني :
نعم وهذا هو الأمر الذي صبرني، ولكن اصدقني أيها الحبيب أما من مانع يمنعك من إقامتي معك في لندن غير رغبتك في الاقتصاد؟
ريشار :
هذا أهم الموانع.
چاني :
فاسمع إذا يا ريشار، إنني أريحك وأستريح معا، فإنني أتنازل عن كل حقوق الزوجية، وأرضى أن أعيش سرا في المنزل الذي تعيش فيه من غير أن يدري أحد أنني امرأتك، وبذلك تقتصد ما تريد أن تقتصد، أيرضيك هذا الشرط يا ريشار؟
ريشار :
لا ريب أنك مجنونة .
چاني :
فلندع إذا هذا الحديث، وقل لي ما هو الأمر الذي قلت إنك جئت من أجله؟
ريشار :
إن هذا الأمر يعيدنا إلى الحديث الذي كنا فيه.
چاني :
وما هو؟
ريشار :
هو أن مركزي السياسي في لندن وبعض الأحوال الوزارية الخصوصية صارت تقضي علي بزيادة البعد بيننا.
چاني (بشيء من القوة) :
أما وكفاك اغترابي عنك من زمن
قاسيت فيه ضروب الهم والأسف
فأي بعد له ترضي أما انقطعت
بيني وبينك سبل الود والشغف
ولست أسمع عما أنت فيه سوى
ما بت أقرأه في سائر الصحف
ريشار :
هل ذاك عتب وتأنيب أردت به
غيظي لتنتقمي مني وتنتصفي
چاني :
كلا ولكنها شكوى أبوح بها
وأستعين بدمعي المفذق الوكف
ريشار :
ما لي على هذه أو تلك مصطبر (يغضب.)
چاني :
فكيف أصنع يا ويلي ويا لهفي؟
وأي أمر إذا قد جئت تطلبه
فبح بسرك يا ريشار واعترف
اترك إنجلترا وهي التي حفظت
عظام آبائي الماضين والسلف
ماذا تريد وماذا ترضى وإلى
متى ابتعادي عن زوج به شرفي
ريشار (ببرودة) :
أخطأت يا چاني فأنا لا أريد إكراهك على الخروج في إنكلترا بلاد آبائك وأجدادك، وليس لي حق في أن أطيل هجرك ونفيك، لقد أخطأ الزمان إذ ربطني وإياك برباط واحد مع ما بيني وبينك من التباين في الأخلاق، ولكن لا يجب أن تقع تبعة هذا الخطأ على رأسك بل يجب أن أعيد لك هناءك وحريتك.
چاني :
لم أفهم حرفا مما تقول.
ريشار :
ومع ذلك يا چاني فإن الذي جئت أقترحه عليك الآن أمر موجود بيننا وإنما أنت تحملين مضاره دون التمتع بمنافعه.
چاني (بقلق وهياج) :
تكلم تكلم كمل، كمل؛ لأنني لا أفهم شيئا. آه بل اسكت، اسكت، لأنني بدأت أفهم.
ريشار :
فلو كان بيننا انفصال.
چاني :
كلمة أخرى أيضا.
ريشار :
شرعي.
چاني (صارخة بأقصى درجات الهياج) :
الطلاق؟
ريشار (ببرودة) :
نعم الطلاق يا چاني.
چاني :
آه يا إلهي، آه يا أبي وأمي.
ريشار (مستأنفا) :
فلو كان بيننا طلاق؟
چاني (بهياج شديد) :
آه ما أقساك، اسكت وإلا قتلتني .
ريشار :
سكني روعك يا چاني وارضخي لحكم القضاء.
چاني (مستعطفة) :
ريشار، ريشار ارحمني وأشفق علي.
ريشار :
لماذا تخافين من الطلاق؟ مع أننا نعيش الآن في حالة كحالته فهل ذلك لأنك تخافين كلام الناس؟
چاني :
أنا لم أنظر إلى السلاح ولكني شعرت بطعنته.
ريشار :
ولكنها طعنة يشفيها الزمان يا چاني، فإنك لا تزالين صبية، فأوا أحببت حبا آخر ...
چاني (قاطعة كلامه) :
حبا آخر؟ آه يا للعار، تقول حبا آخر؟ اقتلني ولا تهني، أنا أحمل عذاب القتل ولكني لا أحمل الإهانة.
ريشار :
لا قتل ولا إهانة يا چاني، وما هذه سوى كلمات فارغة، وإشارات باطلة، لا ترجعيني عن غرضي.
چاني :
إنه غرض فظيع.
غرض فظيع إن وصلت إليه لم
تسلم من التقريع والتأنيب
أتريد تطليقي كأني لم أكن
أدعوك قرة ناظري وحبيبي
أتريد حرماني من السند الذي
أرجوه عند الحادث المرهوب
ونسيت ما قد كنت تبدي من رضا
وعناية بي راجيا تقريبي
هلا ذكرت مواثقا أكدتها
لأبي وأمي يوم كنت خطيبي
هلا رئيت لزوجة مسكينة
محرومة من ناصر وقريب
وكفيتني نكد الحياة لأنني
لا أستحق مرارة التعذيب
ريشار :
ومن قال إني أعذبك يا چاني؟ فإنني لا أدع أحدا يعرف بأمر طلاقك، وإن كنت تخافين من تشهير المحكمة وتفاصيل المحاكمة فاعلمي أنني لا أرفع قضيتنا إلى المحكمة أبدا؛ لأن ذلك يضر بمصلحتي.
چاني (متعجبة) :
فكيف إذا تريد الطلاق فإنني لم أعد أفهم شيئا.
ريشار :
إننا نتفق يا چاني معا على الطلاق، ومتى رضيت به لم نعد في حاجة إلى محكمة طبقا للقانون.
چاني (بأشد هياج) :
ماذا؟ أتحسبني ضعيفة، لئيمة إلى هذا الحد؟ هل خطر في بالك أنني أوقع من تلقاء نفسي على صك أقول فيه أنني ساقطة، غير أهل لأكون زوجة للسير ريشار؟ إذا أنت لم تعد تعرف أخلاقي، فإن الدموع والمصائب قد غيرتها وجعلت في نفسي إرادة قوية قادرة على الصبر والثبات، وهذا من سوء معاملتك ونتيجة عملك. فلننظر الآن من منا الأقوى، أنا الضعيفة أم أنت القوي (بعظمة وحدة)
أيها السير ريشار أنا أرفض ما طلبت.
ريشار :
اذكري أيتها السيدة أنني لم أتخذ معك إلى الآن غير اللين والمسالمة.
چاني :
جرب غير اللين إذا أردت.
ريشار (متقدما منها بغضب وهدو) :
چاني.
چاني (متقدمة منه كما صنع) :
ريشار.
ريشار :
ويلك أيتها التعيسة، أتعلمين ماذا أصنع بك إذا أصررت على الرفض.
چاني :
ربما حذرت ذلك.
ريشار :
أولا ترتجفين إذا؟
چاني :
أرتجف؟ ولماذا؟ انظر إلي (تحاول إظهار التبسم) .
ريشار (يأخذ ذراعها ويشدها) :
أيتها المرأة عودي إلى رشدك.
چاني (جاثية من عزم الضغط على يدها) :
آه، يا ربي.
ريشار (ينهضها) :
لماذا؟ أتجثين؟
چاني (ناهضة ورافعة يدها إلى السماء) :
رفقا به يا إلهي فإنه لا يعلم ماذا يصنع.
ريشار (بحدة وغضب ظاهر) :
بل ادعي الله أيتها المرأة أن يرفق بك أنت لأنك أحق بالشفقة مني، أنا ذاهب، وهذا آخر عهدي بك. (يهم بالذهاب فتهجم عليه چاني كاللبؤة وتمسكه بذراعها من عنقه معانقة إياه بشدة.)
چاني :
بعيشك يا ريشار لا تذهب.
ريشار (يريد التخلص منها) :
دعيني، دعيني.
چاني (لا تتركه) :
ريشار، ريشار آه لو تعلم كم أحبك!
ريشار :
برهني على حبك لي بخضوعك.
چاني :
آه يا أمي لقد صدقت في قولك عن أخلاقه.
ريشار :
والآن أسألك للمرة الأخيرة، أتتركيني أم لا؟
چاني :
حبيبي، روحي، اسمع لي.
ريشار :
اسمعي لي أنت أيضا، ارضي بما طلبت وإياك أن تكتبي لي بعد اليوم كتابا أو حرفا واحدا، أو يعرف أحد بوجودك، أودعك الآن.
چاني (هاجمة عليه مثل الأول) :
لا لا تسافر.
ريشار (كمن فرغ صبره) :
أف من هذا الدلال.
چاني :
إنك لا تسافر ولو تقتلني.
ريشار (يدفعها عنه دفعا شديدا فتقع على الأرض ويصدم رأسها بالطاولة فيسيل الدم من رأسها) :
اتركيني قلت لك.
چاني :
آه، آه، لو لم أكن أحبك لما احتملت مثل هذا (تقول هذا وهي تستعد للقيام ولكنها لا تقدر فتقع مغمى عليها) .
ريشار :
أغمي عليها، جرحت، يا لله. چاني، چاني (يحملها إلى كرسي)
وهذا الدم الذي لا ينقطع (ينشفه بمنديله)
أف، لقد أطالت إقامتي هنا، چاني، چاني ألا تجاوبين؟ إذا أسافر أودعك الآن. (يهم بالخروج فيدخل تومسون.)
المشهد الرابع
تومسون - ريشار - چاني (مغمى عليها)
ريشار :
ما وراءك؟
تومسون :
قد نظرت مبراي قادما من القرية إلى هنا.
ريشار :
وما غرضه؟
تومسون :
لعله للدفاع عنها حسب عادته.
ريشار (متنهدا) :
أف، يجب أن لا يراها هذا الرجل بهذه الحالة. چاني، چاني (يأخذ رأسها بين ذراعيه) .
چاني (متنهنهة) :
ريشار، ريشار، ماذا؟ أنا بين ذراعيك؟ فيا لسعادتي. آه، إن جبيني يدمي.
ريشار :
چاني، إن رجلا قادما إلى هذا المكان، فلا يجب أن يعلم شيئا مما جرى.
چاني :
ومن هو؟
ريشار :
مبراي.
چاني (منتعشة) :
آه، فليأت.
ريشار :
ولكن لا تذكري له كلمة مما جرى فإنني آمرك بذلك.
المشهد الخامس
مبراي - چاني - ريشار - تومسون (يدخل مبراي وهو ينظر إلى چاني ساكنا.)
ريشار :
ما جاء بك يا مبراي؟
مبراي :
جئت لأسلي چاني في انفرادها لما علمت بسفرك من لندن.
ريشار :
أصبت، وأنا أشكرك على ذلك.
مبراي :
هل تأمر بأن أعود غدا إلى لندن لآخذ جوابك عن الأمر الذي تحدثنا فيه.
ريشار :
أظن أن حضوري الآن هنا هو خير جواب.
مبراي :
فهل أرضيت چاني وسكنت روعها. (چاني تنظر إلى ريشار، وريشار ينظر إليها فتنطرح بين ذراعيه.)
ريشار :
نعم هي راضية.
مبراي :
لا، لأنني أعلم أنها لا تكون راضية إلا متى أخذتها معك إلى لندن.
ريشار :
ومن قال لك إنها ستبقى بعيدة عني؟
چاني (ماسكة ذراع ريشار) :
أصحيح هذا القول؟
ريشار (بفتور) :
نعم، إذا كنت تريدين ذلك، أما الآن، فأستودعكم الله لأني مسافر.
چاني :
دون أن تأخذني معك.
ريشار :
لا أقدر أن أنتظرك الآن فقد وعدت أحد الوزراء بمقابلته اليوم.
مبراي :
سر إذا بأمان.
چاني :
إلى الملتقى يا ريشار.
ريشار (خارجا) :
إلى الملتقى (لنفسه)
ويل للوزراء على العناء الذي قاسيته في هذا المكان (يخرج هو وتومسون).
چاني :
آه، ما أحلى الأمل في الراحة والهناء في هذه الحياة.
مبراي (بهيئة حزن) :
چاني امسحي الدم أولا عن جبينك وبعد ذلك أضم أملي إلى أملك.
الفصل الرابع
المنظر الأول (لمجلس الوزراء غرفة ولقاعة الملك غرفة، فالمرسح إذا غرفتان مفصولتان وبينهما باب يفتح ويقفل - فيكون الوزراء سبعة أو ثمانية جالسين في مجلس الوزراء كل في مكانه ما عدا كرسي رئيس الوزارة فإنه يبقى فارغا، ويكون الملك جالسا في غرفته أمام طاولة عليها أوراق وبجانبه رئيس الوزارة يحادثه في أذنه حديثا سريا.)
المشهد الأول
الوزراء
وزير الداخلية :
اجتمع مجلس الوزراء أيها السادة.
وزير الحرب :
ولكن أين الرئيس؟
وزير الداخلية (مشيرا لغرفة الملك) :
إن رئيسنا دخل لمقابلة الملك.
وزير الحرب :
ولكن ما الداعي لعقد جلسة غير اعتيادية في هذا النهار؟
وزير الداخلية :
لا أعلم ولكن أرى من الواجب الاجتماع في ما بيننا للمحادثة قبل الجلسة التي يعقدها مجلس العموم غدا لتقرير ما يجب علينا صنعه إذا رفض مجلس العموم اقتراح الوزارة.
حارس (معلنا) :
الوزير الأول.
وزير الحرب :
ها قد جاء رئيسنا وسنقف منه على حقيقة الخبر.
الوزير الأول (للحارس) :
اخرج من القاعة ودعنا وحدنا.
وزير الحرب :
هل كنت عند الملك؟
الوزير الأول :
نعم أيها السادة.
وزير الحرب :
فماذا يرى جلالته؟
الوزير الأول :
إن جلالته مستاء أشد استياء من المعارضة الشديدة التي ظهرت في مجلس العموم، وقد وكل إلينا اتخاذ كل الوسائل الفعالة لمقاومتها.
وزير الحرب :
ولكني الحق أقول لكم إن لم يبق لدينا إلا وسيلة واحدة.
وزير الداخلية :
وما هي؟
وزير الحرب :
هي استمالة السير ريشار إلينا مهما كلفنا هذا الأمر.
الوزير الأول :
وهذا هو السبب الذي جمعتكم أيها السادة من أجله فإننا قد بدأنا بمخابرة السير ريشار.
وزير الحرب :
وماذا قال؟ هل رضخ؟
الوزير الأول :
لقد اقترحنا عليه بعض الأمور فأسمعنا كلاما جعلنا نؤمل كثيرا وقد سألته أن يقابلني في هذا المساء مقابلة سرية.
وزير الحرب :
ولكن ما العمل إذا أصر ريشار على الرفض وبقي يعارضنا؟
الوزير الأول :
حينئذ نتخذ الوسيلة الأخيرة التي لدينا.
وزير الداخلية :
وما هي؟
الوزير الأول :
هي مقابلة ذات خطر وخلوة لا يخرج منها إلا راضخا.
حارس :
إن أحد أعضاء مجلس العموم يطلب الدخول على فخامتكم.
الوزير الأول :
وما اسمه؟
حارس :
السير ريشار.
الوزراء (بتعجب) :
السير ريشار!
الوزير الأول :
أتاني في وسط المجلس، ما هكذا كان الاتفاق (للحارس)
أدخله فلا يسعنا إلا مقابلته.
المشهد الثاني
ريشار - الوزراء
ريشار :
سلام يا أصحاب الدولة.
وزير المالية :
أهلا وسهلا بالسير ريشار.
ريشار :
ترحب بي من قلبك أم من فمك؟
وزير المالية :
كيف لا أقول ذلك من قلبي؟ فإنك جئت في حينك.
ريشار :
إذا كنتم تنتظرون زيارتي؟
وزير المالية :
ما كنا ننتظر، ولكن كنا نؤمل.
ريشار :
ولكن أتعلم يا سيدي أن هذا الأمل لا ينطبق على عظمتكم وعلى حقارتي.
وزير المالية :
وكيف ذلك؟
ريشار :
ذلك أني أعدكم ممن يزعمون سيادة النبلاء على الشعب، فأنتم أعاظم الرجال الذين تحرسون عرش المملكة، وأما أنا فلست إلا نائبا صغيرا من نواب الشعب فكيف تؤملون في؟
وزير المالية :
ولكن الشعب يا سيدي صار مساويا للنبلاء والملكية منذ أصبح يحب الفريقين ويخدمهما كما يخدمانه.
ريشار :
كلا يا سيدي، وإنما حقوق الشعب أشد رسوخا وأكثر قدما مما تظن فإنها تنتهي إلى كرومول الذي جعل شعاره تاجا من طين بإزاء فاس حديدية كبرى وسندان من خشب، التاج رمز إلى الملكية، والفاس والسنديان رمز إلى قوة الشعب.
وزير الداخلية :
وهل هذا تهديد أيها السير ريشار؟
ريشار :
كلا يا سيدي، ولكنه تاريخ.
الوزير الأول :
حسنا تقول عن الشعب والملكية يا سير ريشار، ولذلك أنشأوا بينهما طيعة النبلاء لتكون حاجزا بينهما فإننا نحن نرس بقى الشعب كبرياء الملكية، والملكية إلحاح الشعب ومطامعه، وفي أيدينا أيدي الفريقين فيجب أن تضمنهما معا رغبة في الاتحاد والمسالمة.
ريشار :
الشعب يا سيدي لا يسالم ولو يعقد اتفاقا في هذا الزمان ولكنه يأمر أمرا.
الوزير الأول :
ولكن ما هكذا وعدنا يا سير ريشار!
ريشار (يغضب) :
وعدتم؟! ومن هو هذا الوقح الذي وعدكم عن لساني.
الوزير الأول :
إن لم يكونوا قد وعدونا فإنهم جعلونا نؤمل.
ريشار :
جعلوكم تؤملون أن أخون حزبي؟
الوزير الأول :
كلا، ولكننا ظننا ...
ريشار (قاطعا كلامه) :
ماذا ظننتم؟ أظننتم أنني أرتشي؟ أهذا هو السبب الذي جعلك يا حضرة الوزير تطلب مقابلتي في هذا المساء مقابلة سرية؟
الوزير الأول :
ولكن أظن هذا الكلام ...
ريشار (قاطعا كلامه) :
هذا كلام أقوله في وسط المجلس غير هياب منكم، لقد جئتم تعرضون علي هدايا الملك ونعمه، فأنا الآن أدفع بقدمي هداياكم ونعمكم، أفهمتم؟
الوزير الأول (للوزراء) :
لم يبق لدينا إلا الوسيلة الأخرى. (يخاطب همسا أحد الوزراء فيدخل هذا الوزير إلى غرفة الملك ويجلس بإزائه، ويحدثه سرا ويكون الملك في أثناء المشهد الذي تقدم جائلا في غرفته ذهابا وإيابا وهو يتصنت لما يقوله ريشار.)
ريشار (مستأنفا كلامه) :
فماذا تقولون غدا إذا وقفت في منبر مجلس العموم وصرخت منه في وجه الأمة كلها أنكم تطلبون رشوتي فماذا تقولون؟
الوزير الأول :
وأي برهان لديك علينا؟ أليس في وسعنا الإنكار؟
ريشار :
كل من ينكر منكم أصفعه بهذه الكلمة: أنت كذاب.
الوزير الأول (بغضب) :
فإذا لاقنا غدا في مجلس النواب يا سيدي، نحن نريد السلم وأنت تريد الحرب، فليكن ما تريد.
ريشار :
نعم وغدا نلتقي. (هنا يدخل الوزير من عند الملك ويهمس في أذن الوزير الأول كلاما.)
الوزير الأول (لريشار) :
سير ريشار، تفضل وانتظر قليلا في هذه القاعة لشأن خصوصي (تخرج الوزراء كلهم من القاعة) .
ريشار :
ولكن ما عساهم أن يريدوا
وأية حاجة لهم وأمر
فهل راموا خداعا واحتيالا
لا بد أني الذي طلبوا وضري
ولكن لا أخاف ولا أبالي
بكيد من جموعهم ومكر
فإن الشعب أجمعه ورائي
يقوي ساعدي ويشد أزري
وهذا قادم أخذته عيني
فمن هو في الصحابة ليت شعري (في أثناء ذلك يكون الملك قد خلع البرقير ونزع التاج عن رأسه فيظهر بملابس اعتيادية فيتناول من خزانته بعض أوراق يمسكها بيده وقبعة مدورة كبيرة يلبسها فتغطي وجهه ثم يدخل على ريشار من الباب الذي بين الغرفتين ويسمى الملك هنا الرجل المجهول.)
الرجل المجهول :
إنك تعجب من رؤيتي لأنك لا تعرفني أيها السيد، أما أنا فأعرفك فأنت سكرتير هذا المجلس (يحاول ريشار الإنكار)
فإنني أريد أن تكون سكرتيرا لمجلس الوزراء.
ريشار (وقد فهم فينحني ويقول) :
أنا كما تقول يا ميلورد.
الرجل المجهول :
حسن، قد فهمت كلامي، تفضل الآن يا حضرة السكرتير واجلس على هذه المائدة. (يجلس ريشار في مكان السكرتير ويقول.)
ريشار :
ها أنا أنتظر أوامر الميلورد.
الرجل المجهول (يقوم له أوراقا) :
أكرم بفحص هذه الأوراق واذكر لي فحواها.
ريشار (يتناول أحدها ويقرأ) :
أمر ملكي يمنح لقب ملكية مقاطعة كارلستون وما يتبعها في إقليم ديفونشير إلى ... (يكلم الرجل المجهول)
مكان الاسم فارغ يا ميلورد.
الرجل المجهول :
نعم، فاكتب فيه الاسم الذي أذكره.
ريشار :
كيف ذلك؟
الرجل المجهول :
اكتب في مكان الاسم اسم: «السير ريشار دار لنكتون».
ريشار :
لا أستطيع أن أكتب ذلك يا سيدي.
الرجل المجهول :
كيف لا تستطيع ذلك يا حضرة السكرتير؟ أترفض أن تكتب في هذه الورقة اسما لا أذكره إلا بالاحترام الذي يجب لمواهب صاحبه؟
ريشار :
هذا إكرام عظيم يا ميلورد.
الرجل المجهول :
اكتب، اكتب وتمم مطالعة الأوراق. (ريشار يكتب.)
الرجل المجهول :
تناول الآن غيرها يا حضرة السكرتير.
ريشار (يقرأ ورقة أخرى) :
أمر بمنح لقب كونت على وجه الإرث إلى ... (ينظر إلى وجه الرجل.)
الرجل المجهول :
اكتب، اكتب ريشار دار لنكتون أيضا.
ريشار :
أمرك مطاع (يكتب) .
الرجل المجهول :
والورقة الثالثة؟
ريشار (يتناولها ويقرأ) :
صورة صك الزواج المعقود بين المس لوسي ويلمور ابنة اللورد ويلمور وحفيدة المركيز دي سيلفا وبين ريشار دار لنكتون الذي أصبح يسمى الكونت ديكار لستون.
الرجل المجهول :
نعم، نعم أعلم ذلك، ولكن اقرأ لي شروط الزواج في هذا الصك.
ريشار (يقرأ) :
أولا: إن مس ويلمور تمنح زوجها الجديد مائة ألف جنيه دخلا سنويا. ثانيا: إن المركيز سيلفا أوصى لحفيدته مس ويلمور بكل ثروته فهي وارثته الوحيدة. ثالثا: إن لقب لورد الذي لأبي مس ويلمور يعطى لزوجها ولأولادها بحق الإرث.
الرجل المجهول :
فاسمع الآن يا سير، ما قولك إذا كان الملك جورج يضع ختمه على هذا الصك ويقرنه بهدية ملكية للعروسين.
ريشار (مدهوشا) :
كل هذه النعم لرجل واحد في ساعة واحدة.
الرجل المجهول :
لا ريب أنك كثير الطمع . وبما أنك تصير إلى هذا الحد، فلا شبهة في أنك ستكون رجلا نافعا للملك والملكة، وأنت تعلم أن الوزارة فقدت شهرتها ولذلك فإنها ستسقط ومتى سقطت فإن الملك يؤلفها من العنصر الديموقراطي، بل قد سمعته يقول منذ حين أن سيختارها من أصغر اللوردات سنا ليكونوا أكثر نشاطا وأنت صغير السن ولورد حسب هذه الأوراق، أفلا تظن أن الإنسان يخدم وطنه وهو في مقاعد الوزراء أكثر مما يخدمه وهو في مقاعد النواب.
ريشار (بدهشة) :
إخلاص لا حد له ونعم لا عدد لها.
الرجل المجهول :
بقيت لديك ورقة.
ريشار :
نعم، ولكنها بيضاء بلا كتابة.
الرجل المجهول :
ألا تفهم المراد بذلك.
ريشار (بعد تردد قليل) :
فهمت فهمت، وهذا توقيعي عليها (يوقع عليها بإمضائه)
أرهنه لديك دلالة على الاتفاق.
الرجل المجهول (بعد تناول الورقة) :
أما أنا فإنني عائدا إلى الملك لأقول له إننا تعارفنا وتصادقنا. (يخرج الرجل المجهول فيبقى ريشار في أشد حيرة واندهاش فيقلب نظره في المكان وفي مجلس الوزراء.)
ريشار :
الآن قد نلت المنى بل فوق ما
قد كنت آمله من الأيام
نلت الوزارة في نهار واحد
فأنا عميد الملك في الأقوام
والأمر أمري ثم هذا مجلسي
أمضي على قومي به إحكامي
تمد من هذا المكان إرادتي
في الأرض من دان ومن مترامي
وتشير في الأقطار نافذة بما
أبغيه من نقض ومن إبرام
من ذا يحاكمني ويملك سطوتي
بل من يباري رتبتي ويسامي
ليس المليك اليوم إلا آلة
والفعل للوزراء والحكام
ولقد فقدت الرشد مما نلته
من رفعة جاءت كسهم الرامي
يا خير مملكة يعظم قدرها
بين الممالك أيما إعظام
إني أنا مولاك فاحني رأسك
العالي لدي وطاطئيه أمامي
ماذا أرى من ذا الذي هو قادم
نحوي، مقال، تعالي أنت مرامي (يدخل عليه تومسون سكرتيره.)
ريشار :
أعرفت ما قد جرى لي؟
تومسون :
نعم جاءت امرأتك.
ريشار :
أي امرأة؟
تومسون :
چاني، أنسيتها.
ريشار :
ويل لها من غضبي وانتقامي (بغضب عظيم وهو خارج) .
المنظر الثاني
في منزل السير ريشار في لندن
المشهد الأول
مبراي - چاني
چاني :
آه، إني لا أجسر أن أراه يا مبراي فإنني أخاف غضبه لأنني جئت من غير إذنه.
مبراي :
ولماذا الخوف؟ ألست امرأته؟
چاني :
رحماك، اخفض صوتك لئلا يسمعنا الخدم.
مبراي (بصوت أعلى) :
فليسمعوا فإنهم سيعرفون اليوم أو غدا أنك زوجة سيدهم.
چاني :
إني أسمع وقع أقدام، إلهي ... أظنه أتى.
مبراي :
اسمعي، اسمعي (ينصتان ليسمعا) .
چاني :
هو، هو، بعيشك دعني أذهب فإني لا أستطيع رؤيته. آه، ليتني عصيتك ولم أحضر معك، بربك لا تدعه يراني.
مبراي (لخادم) :
أدخل السيدة إلى غرفة أخرى لأخلو بريشار على حدة.
چاني (وهي داخلة للغرفة) :
فقط أوصيك بملاطفته يا مبراي ولا تفحم كبرياءه فإنك تعرف أخلاقه.
مبراي :
نعم سألاينه وألاطفه حتى يأتي ذلك اليوم الذي يجب فيه أن أسحق كبرياءه سحقا (ثم ينظر الجهة الثانية)
ولكنني لا أراه قادما بل أرى امرأة.
المشهد الثاني
لادي ويلمور - مبراي - خادم
الخادم :
اسمك يا سيدتي.
اللادي :
لا أقوله إلا للسير ريشار.
مبراي (بدهشة وارتعاد) :
إلهي، ماذا أرى.
الخادم :
ولكن السير ريشار غائب.
اللادي :
فأنا أنتظره.
مبراي (لنفسه دون أن تراه المرأة) :
لادي ويلمور، كارولين ديسيلفا، وأنا! أنا ماذا أصنع هنا؟ أين أختبئ منها؟ آه في هذه الغرفة (يختبئ بغرفة غير الغرفة التي بها چاني) .
الخادم :
تفضلي واجلسي يا سيدتي في هذه القاعة، فإن السير ريشار سيحضر بعد حين.
تومسون (داخلا من الباب وخارجا من آخر) :
أين السير ريشار؟
المشهد الثالث
لادي ويلمور - ريشار
ريشار (من الباب بحدة يقول للخادم) :
هل أتت سيدة تسأل عني.
الخادم :
نعم يا سيدي وهي في هذه الغرفة.
ريشار :
حسن، فقف خارجا ولا تدع أحدا يدخل علينا. (ثم يغلق ريشار الباب بعد خروج الخادم ويقول بحدة من غير أن يرى السيدة لأنه يظنها چاني.)
ريشار :
أف، لقد فرغ صبري.
اللادي (ناهضة ومتقدمة من ريشار) :
سير ريشار.
ريشار (مراجعا نفسه باحترام) :
عفوا مي لادي. فقد ظننت أنني ألقى شخصا آخر في هذا المكان إذ لم أكن أتوقع شرف زيارتك.
اللادي :
لقد قصدتك لأمر هام يا سير ريشار.
ريشار :
مري بما تشائين يا سيدتي ولكن هل تتفضلين علي قبلا باسمك لأعرف السيدة التي أتشرف بمخاطبتها.
اللادي :
اسمي اللادي ويلمور.
ريشار (ناهضا باحترام) :
كريمة المركيز سيلفا.
اللادي :
نعم يا سيدي، ولي معك حديث ذو شأن، فهل أنت على ثقة من أنه لا يسمعنا أحد في هذا المكان؟
ريشار :
نعم يا سيدتي.
اللادي :
سير ريشار، لقد أطلعني أبي أمس على أمر الزواج الذي سيعقد بينك وبين ابنتي.
ريشار :
نعم يا سيدتي.
اللادي :
وأبلغني أيضا أن الملك مهتم بهذا الزواج وأنه سيهدي العروسين هدية ملوكية سنيه.
ريشار :
نعم يا سيدتي.
اللادي :
وأن أبي سيهدي حفيدته ابنتي مائة ألف جنيه.
ريشار :
أعلم كل ذلك يا سيدتي، ولكني مستغرب ذكرك لهذه الأمور المادية كأنهم أبلغوك أنني مادي وطالب مال.
اللادي :
كلا كلا، فإنني أعرف شرف نفسك وكرم أخلاقك، ولكني قلت ذلك تمهيدا لسر أريد إطلاعك عليه.
ريشار :
تفضلي يا سيدتي.
اللادي :
ولكنه سر عظيم، سر هائل يا سير ريشار لا يعرفه في العالم إلا ثلاثة: أنا، وأبي، ورجل آخر.
ريشار :
ثقي يا سيدتي أن سرك يبقى مدفونا في صدري، ومتى مت مات معي.
اللادي :
بارك الله فيك يا سير ريشار، فاسمع الآن قصتي. إن ثروتي لا ترثها ابنتي يا سير ريشار، وذلك ... وذلك آه إنني أخجل من نفسي إذا ذكرت ذلك ... ولكن لا بد منه (تسكت برهة)
ذلك لأن لي ولدا غيرها يا سير ريشار.
ريشار (باستغراب) :
أنت؟
اللادي :
نعم لي غيرها ولد
ولكن ما درى أحد
نتيجة ذلة فرطت
عدانا عندها الرشد
إذا ما رحت أذكرها
عناني الهم والكمد
وأستر عندها وجهي
وذاك لهول ما أجد
ريشار :
ولكن ألم يدره زوجك.
اللادي :
نعم لم يدر زوجي ما
قضاه الواحد الصمد
قضي بالهند وهو إذا
لأهل الهند معتمد
فمذ أصبحت أرملة
فلا عضك ولا سند
حننت إذا إلى ولدي
ورقت مني الكبد
أردد ذكره وجوا
نحي بالسهم تتقد
أردد ذكره إذ عا
ش دوني وهو منفرد
فلا أم ترق له
فينعم ذلك الخلد
ولا يحنو عليه أب
فيقوى ذلك العضد
أرى حقا علي له
وهذا عيشه النكد
يملك كل ما تحوي
يدي وجميع ما أجد
أجود به فلا سبد
أأخره ولا لبد
عسى إن كان يلعنني
لأني عنه أبتعد
سيجل في ترحمه
علي إذا انقضى الأمد
ألست تظن يا مولا
ي ذا حسنا وتعتقد
ريشار :
لا ريب أن ذلك حسن يا سيدتي فهبيه كل ثروتك وخذيه إلى قصرك يعيش معك هنيء البال.
اللادي :
هذا محال يا سيدي.
ريشار :
ولماذا يا سيدتي؟
اللادي :
لأن ذلك يستلزم أن أعرفه بنفسي وهذا أمر مستحيل.
ريشار :
ولماذا؟
اللادي :
آه، هذا سر ثان، السبب هو أنه يطلب مني متى عرفني اسم أبيه، وأنا لا أستطيع ذكر أبيه.
ريشار :
فالأفضل إذا أن لا يعرفك الولد.
اللادي :
نعم، ولذلك رأيت أن أجيئك وأتخذك وسيطا بيني وبينه، فإنني أطلب منك أن تذهب إليه وتقول له: إن أمك التي تحبك ولا تنساك قد بعثت إليك كل ثروتها فعش سعيدا بها.
ريشار :
سأقوم بهذا الواجب يا سيدتي، وثقي بأن ولدك إذا كان أصغر مني سنا فإنه يكون ابني، وإذا كان بسني فإنه يكون أخي.
اللادي (هاجمة على ركبته) :
آه، دعني أقبل ركبتك.
ريشار :
عفوا، عفوا يا سيدتي.
اللادي :
إنك أحييت قلبي يا سير ريشار، فمتى تذهب إليه لتبلغه هذه الرسالة.
ريشار :
في هذا الأسبوع يا سيدتي، ولكن في أي مكان هو مقيم؟
اللادي :
هو مقيم في قرية ... (هنا يدخل مبراي من مخبئه ويصيح باللادي) .
مبراي :
مي لادي ويلمور، هذا سر لا يجوز لك أن تبوحي به لأنه لغيرك.
اللادي (مضطربة) :
هذا روبرتس.
مبراي :
الزمي الصمت.
ريشار (بدهشة) :
ماذا يريد هذا الرجل؟
مبراي :
خذي ذراعي أيتها السيدة.
ريشار :
أنا لا أطيق أن ...
مبراي (قاطعا كلامه) :
ولكن هكذا تريد السيدة.
ريشار :
أحق ما يقول يا سيدتي؟
اللادي :
نعم، نعم، يا سير ريشار، آه، فلنذهب من هذا المكان.
ريشار :
والحديث الذي دار بيننا (تخرج اللادي وذراعها بذراع مبراي) .
ريشار (بغضب) :
ولكن ما هذا الغضب من السماء؟ من أين أتاني هذا الرجل الذي يتداخل في كل شأن من شئون بيتي؟ ومتى أستريح منه؟ (يدخل تومسون.)
تومسون :
ماذا كان يصنع مبراي هنا؟
ريشار :
كان يتجسس علي، كان جالسا في بيتي يأمر وينهى فيه ما شاء الله، ما شاء الله.
تومسون :
وهل هو الذي يمنعك من قبول اقتراحات الوزارة فقد وصلتني شكواهم.
ريشار :
قد رضيت بكل شيء.
تومسون :
وهل حادثتك اللادي ويلمور بشأن زواجك بابنتها؟
ريشار :
نعم.
تومسون :
وهل سمع مبراي حديثكما؟
ريشار :
بلا شك.
تومسون (يخنق) :
إذا خسرنا كل شيء فإن مبراي سيطلع چاني على هذا الزواج.
ريشار :
لا لا، فإنه لا يرى چاني بعد الآن لأنني أقسمت أنني سأفصلها عنه وأفصله عنها. فقد آن أن أتخلص من مداخلته.
المشهد الرابع
ريشار - تومسون - مبراي (عائدا)
ريشار (لمبراي) :
قل لي يا رجل بأي حق تتداخل كل يوم في شئوني؟
مبراي :
ما شاء الله على هذه اللهجة (ناظرا إليه شزرا) .
ريشار :
إنها لهجة رجل ساخط من مداخلتكم فيما لا يعنيك.
مبراي :
ولكن لا تنس.
ريشار (فغضب) :
أنسى؟ أنا لا أعرفك ولا أريد أن أعرفك ولست مديونا لك بشيء.
مبراي :
بل أنت مديون لي أولا بالاحترام لشعري الأبيض ثم بالإصغاء إلى نصائحي لأنك ناب الرجل الذي رباك وعهد إلى السهر على راحة چاني بعده.
ريشار :
وهل تريد بذلك أنه جعلك جاسوسا علي؟
مبراي :
كلا، ولكن حاميا لچاني ومدافعا عنها، فأرحها تسترح مني.
ريشار :
بل تتركها وشأنها منذ اليوم.
مبراي :
ما معنى هذا الكلام؟ هل تطردني من بيتك؟
ريشار :
فسر كلامي كما تريد.
مبراي :
ولكن، فاعلم أنني لا أدعك تنال مأربك منها، فأنا أسهر عليها سواء كنت في بيتك أو في الشارع.
ريشار :
كفى، كفى، واخرج من بيتي.
مبراي (لنفسه) :
يا لك من تعيس فاستعد للانتقام (يخرج مبراي) .
ريشار (بعد برهة) :
والآن ماذا أصنع؟
تومسون :
هل عينت المكان الذي سيعقد فيه الزواج؟
ريشار :
نعم عينت المنزل الذي كانت تسكنه چاني في البرية.
تومسون :
أحسنت الاختيار فإنه مكان منفرد.
ريشار :
ولكن ما العمل بچاني فإن وجودها يذهب بجميع آمالنا؟
تومسون :
لقد دبرت أفضل الطرق للتخليص منها.
ريشار :
وما هي؟
تومسون :
هي أنك تمنحها مالا كثيرا وترسلها معي إلى فرنسا.
ريشار :
ولكن ماذا يمنعها في فرنسا من النداء بأنها زوجتي؟
تومسون :
ولكن صبرا لأكمل حديثي، وبعد إيصالها إلى فرنسا أعود منها إلى قرية دار لنكتون وأنزل ضيفا على كاهن القرية؛ لأنه من أصدقائي ... في أي سنة كان اقترانك بها؟
ريشار :
في سنة 1813.
تومسون :
والشهر؟
ريشار :
يونيو.
تومسون :
فحين نزولي ضيفا في دار الكاهن، أسعى للحصول على مسجل سنة 1813، ثم أمزق منه صك زواجكما، وإذا لزم أحرقت السجل كله، وحينئذ لا يبقى من دليل بزواجك بچاني مهما زعمت أنك زوجها.
ريشار (بعد تأمل) :
حسن، فاصنع ما تريد وسر بچاني إلى فرنسا في هذا المساء.
تومسون :
ولكن ...
ريشار :
ولكن ماذا؟
تومسون :
حينئذ يصير بيني وبينك جناية يا سير ريشار.
ريشار :
لا تخف، فإنني أحمك وأرفع عنك، فاستعد للسفر واذهب قبلا إلى المركيز سيلفا وأخبره أننا سنوقع على صك الزواج في المنزل الذي لي في ضواحي لندن وأنني سبقته إليه لشئون خصوصية وبعد ذلك عد سريعا، وخذ چاني إلى حيث ذكرت (إلى الخادم)
أين المرأة الثانية التي تنظرني.
خادم :
في هذه الغرفة يا سيدي.
ريشار :
ادعها إلي. وأنت يا تومسون سر بالعجل وعد سريعا (يخرج تومسون) .
خادم (يدخل) :
هذه السيدة يا سيدي.
ريشار :
فلتدخل، ولكن أغلق الأبواب ولا تدع أحدا يدخل علينا.
خادم :
أمرك سيدي.
المشهد الخامس
ريشار - چاني (داخلة بخوف)
چاني :
ريشار.
ريشار (بحنق قليل) :
تعالي أيتها السيدة.
چاني :
أين مبراي؟
ريشار :
وأي دخل مبراي بيننا، فقد طردته كما تطرد الجواسيس؛ لأنه يكدر صفو عيشك بما يقوله لك عني.
چاني :
كلا يا سير ريشار، فإنه لا يقول عنك إلا كل خير.
ريشار :
أف، قلت لك إنني سئمت منه ومن مراقبته فأبعديه عني ولا ...
چاني :
ثم تبعدني أنا ثانيا أليس كذلك.
ريشار :
وهل تحسبيني أنني لم أضجر بعد من مطاردتك إياي.
چاني :
إذن أنت تطردني من بيتك، آه ما أقساك! (تبكي) .
ريشار :
إنك تبكين؟ ولكن إذا بدأت بالبكاء فبماذا تنتهين؟
چاني :
أتطردني أيا ريشار طردا
كأني من عداد الخادمات
وأنت طلبتني وأخذت قلبي
فهل تنسى العهود الماضيات
وللزوجات بين الناس حق
يعد من الحقوق الواجبات
فكاشفني الهوى حتى إذا ما
هويت طرحتني في الهاويات
وقد فاتحتني بالحب قبلا
فما لك سؤتني في الخاتمات
ريشار (بغضب) :
ولكن ماذا تطلبين؟ وما تريدين؟
چاني :
ريشار جئت أسالك جزء صغيرا من حبك القديم.
ريشار :
حبي القديم؟ إنك مجنونة أيتها المرأة.
چاني :
ولكن اذكر الماضي.
ريشار :
الماضي هو العدم.
چاني :
إذا لم تحبني قط في حياتك؟
ريشار :
أما وقد وصلت إلى هنا يا چاني فاسمعي، نعم لم أحبك قط، أسمعت؟ لم أحبك قط في حياتي، وإنما كنت محتاجا إلى زوجة ومركز فوجدتك أمامي.
چاني :
يا للدناءة.
ريشار :
ولو وجدت يومئذ لو وجدت أمامي امرأة غيرك بمركزك لاقترنت بها كما اقترنت بك لأن الهيئة الاجتماعية تضع حول توابع الرجال الآن ليستعينوا بها على الوصول إلى أغراضهم.
چاني :
آه، ما أفظع هذا القول!
ريشار :
فاعلمي إذا أني ما حببتك قط ولا أحبك.
چاني :
اسكت اسكت، قد قتلني.
ريشار :
فاحكي الآن في سفرك أو في إقامتك (يدير ظهره) .
چاني (بعظمة) :
بل أسافر، أسافر يا سيدي.
ريشار (مطلا من النافذة) :
أعدوا خيلا للسفر.
چاني :
نعم أسافر لأذهب وأبكي مصائبي.
أسافر يا ظلوم ولا أبالي
فمن شقيت بمثلك لا تقيم
فأندب سوء حظي في خلاء
يساعدني به المولى الرحيم
وما طب الهموم سوى انفراد
تخف به على القلب الهموم
لعلك أن تعود إلى صواب
فقد يأسى على الظلم الظلوم
ريشار :
أعدوا خيلا للسفر.
چاني :
ولكن لو ندمت علي يوما
وعادك ذلك الطبع الحليم
وعدت تريدني من بعد هجر
وهاج بقلبك الود القديم
فسل عنه الحوادث والليالي
لعل يجيبك العظم الرميم
ريشار :
أعدوا خيلا للسفر.
چاني :
ولنكن مع من تريد أن أسافر؟
ريشار :
مع سكرتير تومسون.
چاني :
ولماذا لا أسافر مع مبراي؟
ريشار :
أنا لا أحب سماع اسمه، ولا أعلم أين هو.
چاني (ببكاء) :
هل أسافر هكذا يا رباه، بلا كلمة تخفف بأسي وعذابي.
ريشار :
أعدوا خيلا للسفر (لچاني)
أو خلي أيتها السيدة واستعدي للسفر فإنهم في انتظارك.
چاني (خارجة) :
أنى أصبك ما أمرت فقد غدا
قلبي كمثل الثواب في أخلاقه
أماه قد صح الذي نبأتني
عما أراك الغيت من أخلاقه
المشهد السادس
ريشار - تومسون
ريشار :
ماذا قال لك المركيز؟
تومسون :
هو ينتظرك الليلة مع العروس وجميع العائلة في المنزل الذي ذكرته.
ريشار :
فأسرع إذا فإن چاني تنتظرك، خذها ومتى عدت من فرنسا وجدتني لوردا ووزيرا (يخرج ريشار) .
تومسون (بنفسه) :
فاستعد يا تومسون لأن تكون سكرتير فخامة الوزير وتنال المال الكثير (تدخل چاني) . (تحسب ريشار في المرسح.)
چاني :
أستودعك الله يا ريشار ... آه أين هو؟
تومسون :
قد خرج، خرج.
چاني :
ما كان ينقصني غير هذه.
تولى لا يودعني
ولا يلوي علي أحد
فلم أمتع به نظري
ولم أمدد إليه يدي
وأبقى خلفه كمدا
تذوب لحره كبدي
تومسون :
هلم بنا فإن الوج
د لم ينقص ولم يزد
وخير من حمى الإنس
ان عندي ملجأ الأسد (ثم تخرج هي وتومسون للسفر، يدخل ريشار يتجسس خروجها.)
ريشار :
سيعقد لي يومي هناء مجددا
وقد سار عني عاذل ورقيب
ويأتي غد للإنكليز بكابر
وإن غدا فيما يجي قريب
الفصل الخامس
المنظر الأول
المشهد الأول (مبراي ... واقف على الطريق بين الأشجار.)
مبراي :
لقد أبعدوها ولم تجترم
وهبت لها عاصفات العذاب
لينعم من بعدها زوجها
بمجد وجاه بغير حساب
أجاني إن الحجا آفة
ولو أن أهل الحجى في السحاب
وأين العدالة والعادلون
فشيمة كل امرئ أن يحابي
لقد ضقت ذرعا بهذا المصا
ب فماذا أعد لهذا المصاب
وهاني المسيب ولكنني
أرى في فؤادي لشاط السباب
وقد أغمض الله أجفانه
لكيلا يفر علي طلابي
وها تلك مركبة علها
بجاني آخذة في اقترابي
وقد قربوا يا إلهي فكن
بفضلك عوني في كل ما بي (هنا يسمع صوت مركبة في الخارج فيهجم مبراي عليها قبل ظهورها في المرسح ويمسك بالعنان ونصفه داخل الكواليس ونصفه في الخارج ظاهرا للناس.)
مبراي :
قف أيها السائق.
السائق :
آه، ما هذا.
مبراي :
لا تخف فلست من قطاع الطريق، ولكن أخبرني ما في مركبتك رجل وامرأة.
تومسون :
ما لك وقفت أيها السائق؟
مبراي :
هذا هو بعينه.
تومسون :
عربجي، سر بسرعة البرق الخاطف.
مبراي :
إنني أخطف روحك برصاصة واحدة إذا خطوت خطوة واحدة.
تومسون (يهجم على مبراي) :
ماذا تريد أيها الرجل؟
مبراي :
اخسأ أيها اللئيم. چاني چاني، أأنت هنا.
تومسون :
لا تجيبي، لا تجيبي أيتها السيدة.
چاني :
مبراي، مبراي.
مبراي :
آه، هي، هي (تومسون يحول بينه وبين الكواليس ليمنعه من الدخول) .
تومسون :
ارجع يا هذا.
مبراي :
إياك أن تمسني، چاني چاني هل تعلمين إلى أين يأخذونك يا چاني؟
چاني :
نعم، إلى منزلي في البرية.
مبراي :
كلا كلا وإنما هم يخطفونك إلى فرنسا.
تومسون :
لعنة الله عليك.
چاني (تدخل) :
آه، الآن فهمت.
تومسون :
ألا فتذهب يا هذا في سبيلك.
مبراي :
أيها السائق، باسم القانون أطلب منك أن تأخذني مع هذه السيدة إلى منزلها، وإلا كنت شريكا لهذا الشقي في جناية خطفها.
السائق :
حاضر يا سيدي، تفضلوا (مشير إليهم بالرجوع للمركبة) .
تومسون (ماسكا چاني والسائق) :
إياك أن تغتر بكلام هذا الرجل وعليك أن تأخذني مع السيدة وحدنا.
السائق :
حاضر يا سيدي، تفضلوا، فإنني آخذ كل من يركب معي. (يأخذ تومسون چاني فيتعلق بها مبراي.)
مبراي :
ارجعي، ارجعي يا چاني فإنني آمرك بذلك باسم أبيك وأمك.
تومسون (يهدد مبراي) :
إنني أسألك المرة الأخيرة أتتركها أم لا.
مبراي :
خسئت أيها اللئيم، وإياك أن تخطو خطوة.
تومسون :
إذا لا بد من قتلك، خذها ولتكن ملعونا. (هنا يطلق تومسون الرصاص على مبراي فتصيح چاني بخوف وتهرب من جهة تومسون فرارا من صوت الرصاص ولكن لا تكون بجانبه حين يطلق عليه مبراي الرصاص.)
مبراي (بهدوء بينما يجرح) :
كانت يدك ترتجف فلم تصبني جيدا أما يدي أنا فلا ترتجف، خذها ولتكن معلونا. (يطلق مبراي الرصاص على تومسون فيصيبه في صدره فيسقط على الأرض.)
مبراي (للسائق) :
أيها السائق هذا مال بقدر ما تريد فسر بنا كالبرق إلى منزل السير ريشار في البرية وراء هذه الغابة. (يخرج مبراي وچاني والسائق عائدين للمركبة فيتعلق تومسون القتيل بثياب السائق وهو يتخبط من جراحه فيتخلص السائق منه شيئا فشيئا.)
تومسون (في حالة التراح) :
وأنا، أنا، ألا ترى أنني أموت، آه ... آه يا قاتل يا شيطان تروح وتتركني تعال، تعال (يتمكن من الوقوف قليلا)
أغيثوني، ارحموني، آه يا ابن الشياطين ... آه ريشار، ريشار ... هل يحل بك ما حل بي؟ لاشك أن في العالم إلها لأنه انتقم مني. (يسقط ويموت داخل الكواليس.)
المنظر الثاني (في منزل ريشار في البرية. غرفة چاني وفيها البلكون والنافذة التي تقدم ذكرها.)
المشهد الأول
چاني - مبراي
چاني :
هل جرحت يا مبراي؟
مبراي :
لا تخافي فجرحي خفيف فإن الرصاصة مست جلدي مسا.
چاني :
ولكن ما العمل يا رباه بعد الآن؟ فإنه لم يبق لدي ريب في أنه يرغب في خروجي من إنكلترا كلها، بل ربما كانت حياتي نفسها ثقيلة عليه.
مبراي :
تعزي يا چاني، فقد بقيت لدي وسيلة لم أستعملها إلى الآن ولكني متى استعملتها سحقت بها كبرياءه سحقا، وما منعني من استعمالها إلى الآن غير فرط حبي له.
چاني :
وما هي هذه الوسيلة؟
مبراي :
هي كلمة واحدة أقولها له، ومتى قلتها أصبح ريشار تعيسا إلى حد لا تذكر عنده تعاسة.
چاني :
آه، فدع ذلك إذا بحياتك، لأني لا أريد أن يصبح تعيسا وأفضل أن أتعذب وحدي.
مبراي :
كلا يا چاني، فإنك لم تقفي على جميع مقاصد ريشار بعد فإنه كما قصر في واجباته نحوك قد أخذ يقصر في واجباته نحو وطنه. وإني أخشى أن يكون لصنعه تأثير على مستقبل إنكلترا وحدها.
چاني :
فاصنع إذا ما تراه حسنا.
مبراي :
نعم، وإني مسافر في هذا المساء إلى لندن لأقول له تلك الكلمة وسأعود به ذليلا صاغرا فانتظريني يا بنية، أستودعك الله.
چاني :
بسلام يا مبراي. (يخرج مبراي.)
المشهد الثاني
چاني
چاني :
أأندب حظي أو زماني الذي مضى
فما حرج أن اليتيمة تندب
دهتني صروف الدهر ما غادرت أخا
ولا تركت أما ولا، ولم لي أب
عجبت وهل في الناس مثلي شقية
على أن حالي لو درى الناس أعجب
يريح الدجى هذي العناصر كلها
وأسهر وحدي في الدجى أتعذب
وما نفس الليل الذي مر باردا
علي كأنفاسي التي تتلهب
وما هو إلا الهم إن حل بامرئ
فسيان ما يأتي وما يتجنب
آه، ما أحلى هذه الطبيعة الهادئة تحت جنح هذا الظلام وكم قد وقفت من هذه النافذة أعد نجوم السماء. وأتأمل في العمق الذي تحتها، آه، عفوا يا أماه عما خطر أحيانا في بالي وأنا واقفة هنا، فإنني كم قلت إنني إذا ألقيت بنفسي من هذا العلو الشاهق مت واسترحت من عذابي. ترى متى يعود مبراي، وهل هو صادق في ما قاله عن السر أو أنه يقول ذلك ليعزيني ويسكبني (ترفع رأسها)
ما هذا؟ إني أرى مركبة على الطريق، قادمة إلى هذا المكان، ها لقد وقفت أمام باب المنزل لقد نزل منها رجل، وفتح باب الحديقة. إلهي، إلهي هذا ريشار فإن مفتاح الحديقة الثاني معه دون سواه، آه هو، هو أين أختبئ؟ ابتلعيني أيتها الأرض خذيني أيتها السماء. ها لقد صعد السلم، ها أختبئ هنا. (تختبئ في غرفة وتكون قبعتها على الطاولة أو على مقعد في المرسح.)
المشهد الثالث
ريشار - خادم وراه
ريشار :
أف، لم أتقدم المركيز وأسرته إلا بنصف ساعة. أوقد يا جامس نورا وهيئ الشموع، وقف على الباب لاستقبالهم (ينظر في ساعة)
صارت الآن الساعة الثامنة فلا شك أن تومسون وصل بها إلى دوفر ... وغدا يصل إلى كاله. أف، لقد استرحت منها ومن دموعها، ونلت السعادة بهذا الزواج العظيم. لا شك أن تومسون يستحق أحسن جزاء على صدق خدمته لي فمتى عاد من سفره أحسنت جزاءه، ولكن يجب أن أفتش في هذه القاعة التي كانت تقيم فيها لعلها تركت فيها أثرا فيراه ضيوفنا (يفتش)
ها هذه قبعة وغطاء، لقد أحسنت في التفتيش فإنه لا يجب أن يروا عندي شيئا من آثار امرأة، ولكن أين أضعها؟ هذه الخزانة مقفلة، ألقيها من النافذة (يهم بإلقائها)
لا، فإنهم يجدونها غدا في الحديقة، إذا ماذا أصنع بها؟ ها قد ظهرت أنوارهم على الجبل، أين أضع هذه القبعة الملعونة؟ أضعها في هذه الغرفة. (يفتح الغرفة التي دخلت إليها چاني فتصرخ چاني حين فتح الباب.)
چاني :
آه.
ريشار (يقبض على ذراعها داخل الكواليس ويجرها إلى المرسح) :
من هذا.
چاني :
أنا أنا، أستحلفك بالله أن لا تؤذيني.
ريشار :
أنت هنا، أنت هنا، أي شيطان يردك إلي كلما حسبت أنني تخلصت منك؟ من أعادك إلى هنا؟ تكلمي تكلمي.
چاني :
مبراي، مبراي.
ريشار :
مبراي! دائما مبراي، أين هو لأصب غضبي على رأس رجل لا على رأس امرأة.
چاني :
قد سار إلى لندن فعفوا عنه وعني.
ريشار (يغضب) :
وماذا جرى؟
چاني :
لقد أوقف المركبة (بخوف وحدة) .
ريشار :
وبعد، وبعد، قولي فقد كاد ينشق صدري.
چاني :
وبعد ذلك تبارزا.
ريشار :
والنتيجة.
چاني :
مبراي قتل تومسون.
ريشار :
ويل له.
چاني :
عفوا عفوا.
ريشار :
چاني، چاني اسمعي.
چاني :
ها، ها، صوت مركبة.
ريشار :
نعم وهي قادمة بزوجتي وأسرتها.
چاني (بغضب عظيم) :
زوجتك! وأنا من أنا إذا.
ريشار :
أنت. أنت ملاكي الشرير، أنت الهاوية التي ستبتلع كل آمالي، أنت الشيطان الذي يدفعني إلى ارتكاب جناية.
چاني :
آه يا إلهي.
ريشار :
وليس الذنب ذنبي بل ذنبك لأنني سألتك الرضا بالطلاق فأبيت، سألتك السفر من إنكلترا فلم تسافري.
چاني :
الآن الآن أرضى أرضى بكل ما تريد.
ريشار :
الآن قد فات الوقت.
چاني (بحيرة وخوف) :
فماذا تصنع إذا؟
ريشار :
لا أعلم وإنما صلي.
چاني (بهول وذعر) :
ريشار، ريشار ماذا تقول؟ (يسمع صوت أقدام من الخارج فيضع ريشار يده على فمها.)
ريشار :
اسكتي، ألا تسمعين صوت أقدامهم؟ آه، إنهم سيدخلون ويجدون امرأة عندي فماذا أقول لهم؟ (يذهب ويقفل الباب، تذهب چاني إلى النافذة أو البلكون وتنادي) .
چاني :
المعونة المعونة، إلي، إلي.
ريشار :
اسمعي، يجب حين دخولهم أن لا يجدوك في هذا المكان .
چاني (تجثو على ركبتيها) :
ارحمني، ارحمني.
ريشار :
رحمتك كثير فلم تنفع رحمتي.
چاني (محاولة الاستغاثة) :
المعونة ... المعو ... (فيسد ريشار فمها بيده ثم يحملها بين ذراعيه وهو سادا فمها ويسير بها نحو البلكون فتغافله چاني وتفلت رأسها منه وتصيح)
المعونة ... المعو ... (فيعود ريشار ويتمكن من سد فمها وهي بين ذارعيه ثم يقدمها من النافذة ثم يعود وهو أصفر اللون).
ريشار :
أف، أف (يذهب ويفتح الباب) .
المشهد الرابع
ريشار - المركيز سيلفا - المس ويلمور العروس - اللادي - ويلموري وهي كارولين - وزير المالية - بعض المعارف والأصدقاء.
المركيز :
عفوا إذا كنا أزعجناك أيها السير ريشار فإن بابك كان مقفلا.
ريشار :
أهلا وسهلا، لا، لم أقفل الباب علي ... وإنما لا أعلم كيف كان المفتاح في الداخل.
المركيز (مقدما له العروس) :
المس ويلمور (ينحني ريشار لها)
هل أنت متألم يا سير ريشار، فإني أراك أصفر اللون.
ريشار :
أنا أصفر؟ هذا أمر عرضي. تفضلوا واجلسوا فكل شيء معد لكم.
المركيز :
قد تفضل سعادة الوزير، ورضي بأن يكون شاهدا للعروس فهل لديك شاهدك؟
ريشار :
لسنا في حاجة إلى شهود، فلنوقع على صك الزواج. (يخرج المركيز الصك ويعطي قلما إلى المس ويلمور فتوقع عليه ثم يأخذه منها ويدفعه إلى ريشار فيأخذ ريشار القلم ليوقع عليه.)
المركيز :
ما ليدك ترتجف يا سير ريشار؟
ريشار :
يدي ترتجف؟ لا ولكنك أنت ترى ذلك. (يهم السير ريشار بالتوقيع فيأخذ الورقة ويلتفت إلى جهة المائدة التي سيكتب عليها فيرى مبراي واقفا في الباب شاخصا إليه.)
المشهد الخامس
المذكورون - مبراي
مبراي (بهيئة رسمية وهو يرتجف) :
ينقصك شاهد للزواج يا ريشار فها أنا ذا.
ريشار :
سواء لدي أنت أم رجل سواك (بصوت منخفض)
إياك أن تلفظ كلمة.
المركيز :
ماذا يريد هذا الرجل؟
مبراي (بصوت منخفض) :
لا تهدد بل اترك التهديد لي.
ريشار :
وماذا تريد يا رجل؟
مبراي :
اخفض صوتك.
ريشار (بصوت عال) :
بأي حق تطلب هذا؟
مبراي :
انظر إلى البلكون.
ريشار (بصوت منخفض) :
اخفض صوتك.
مبراي :
يا قاتل، لقد شاهدت ما صنعت بها.
ريشار :
وبعد؟
مبراي :
أنت تعلم ماذا أقدر أن أصنع بكلمة واحدة.
ريشار :
ولكنك لا تقولها.
مبراي :
ولماذا؟
ريشار :
لأنه لو لم يكن هنالك مانع يمنعك لقلتها.
مبراي :
ريشار لا أسكت عنها إلا على شرط واحد.
ريشار :
وما هو؟
مبراي :
أن تعدل عن هذا الزواج، وتستعفي من مجلس العموم ثم تهجر لندن وتذهب معي إلى مكان منفرد؛ أنت لتندم وأنا لأبكي.
ريشار :
مبراي قلت لك إنه يوجد مانع سري يمنعك من كشف أمري إذ لولاه لما كنت أخرت كشفه إلى الآن. ولذلك فأنا لا أخاف.
مبراي :
أترفض إذا ما اقترحته عليك؟
ريشار :
أرفض.
مبراي :
رفضا قطعيا. (هنا يوقع ريشار على الصك ويناوله إلى المركيز.)
ريشار :
وقع يا سيدي المركيز.
مبراي (قابضا على ذراع ريشار قبل أن يدفع الصك إلى المركيز) :
قف وعد إلى رشدك وإلا ندمت حين لا يجدي الندم.
ريشار (للمركيز) :
وقع يا سيدي (يدفع الصك إليه) .
مبراي (بصوت عال) :
مركيز ديسيلفا، مركيز ديسيلفا.
المركيز :
ما تريد؟
مبراي :
أتذكر قرية دار لنكتون؟
المركيز :
ماذا تقول؟
مبراي :
أتذكر تلك الليلة التي وصلت فيها إلى هذه القرية وأنت تفتش على فتاة مخطوفة؟
المركيز :
الزم الصمت يا سيدي.
مبراي :
لا تخف فإنني لا أذكر اسمها لأنني أحترمها. أتذكر أنها وضعت في تلك القرية غلاما؟
المركيز :
وبعد؟
مبراي :
إنك لم تشاهد أبا ذلك الولد أيها المركيز إلا برهة يسيرة ولكن ذلك كان كاف لأن تعرفه ... انظر إلي.
المركيز :
أأنت هو؟
مبراي :
نعم أنا هو.
المركيز :
فأنت إذا ...؟
مبراي :
الجلاد (مشيرا إلى ريشار)
وهذا ابني (هنا تصرخ اللادي ويلمور يغمى عليها) .
ريشار (بهياج عظيم) :
أنت أبي؟ وكيف تثبت ذلك بل أي فخر لي بأن تكون أبي، وهل من دلائل الأبوة أن تقف كل يوم في وجهي لمعاكسة أعمالي وتخيب آمالي؟ كلا أنا لا أعرفك يا رجل، ولا أريد أن أعرفك.
مبراي :
كان لي عليك أيها الشاب حق الاحترام لشعري الأبيض فقط أما الآن فصار لي عليك حق الأبوة أيضا فاخفض من كبريائك يا ريشار دار لنكتون الطامع المتكبر واحترم حقي الطبيعي.
ريشار (بغضب شديد) :
ولكن إذا كنت أبي فأين أمي أين تلك المرأة الملعونة التي هجرتني منذ ولادتي (تهجم اللادي ويلمور وتجثو أمام ريشار) .
اللادي :
ريشار لا تلعني.
المس ويلمور (وهي العروس) :
ريشار أخي؟! (اضطراب عظيم في المرسح) .
مبراي :
نعم هذه أمك، وهي أختك التي كادت تكون زوجتك (متلفتا إلى الكواليس)
وهذه زوجتك الحقيقية. (يدخل رجلان أو ثلاثة حاملين چاني وهي ملفوفة في غطاء أبيض والدم يقطر منها ويداها ورأسها متدلية تدلي الإغماء.)
أحد الحاضرين :
زوجته؟
غيره :
هل كان متزوجا؟
چاني (في سكرات الموت) :
آه، إنني أموت.
ريشار :
چاني، چاني، أحي فإنني أحبك.
چاني (تفتح عينها وتحاول الجلوس فلم تقدر) :
ريشار، هذا أنت؟ أتحبني، وزوجتك الجديدة؟
ريشار :
هذه أختي لا زوجتي.
چاني :
كيف؟
ريشار :
أختي، أختي وليس لي من زوجة غيرك.
چاني :
آه، هنيئا لك وجدت أهلك، أما أنا فإني ذاهبة إلى أهلي. آه يا أمي.
ريشار :
چاني، هل تغفرين لي؟
چاني :
آه قل لي أولا، أصحيح أنك صرت تحبني.
ريشار :
بدون شك.
چاني :
إذا أموت مستريحة راضية، غفر الله لك يا حبيبي (تضطرب وتموت) .
أحد الحاضرين :
هكذا فليكن حب الزوجين وطاعة النساء.
الوزير :
ألنا عين خفية تسهر على حرية الشعب.
رجل فصيح اللسان :
ولكن قد تسقط في هذا السبيل (مشيرا إلى جثة چاني)
ضحايا تتصدع لها القلوب.
Unknown page