وأما جوهر هذا الفاعل أو الفاعلات ففيه اختلاف الحكماء من وجه ولم يختلفوا من وجه؛ وذلك أنهم كلهم اتفقوا على أن الفاعل الأول هو بريء عن المادة، وأن الفاعل فعله شرط في وجود الموجودات بوساطة معقول له هو غير هذه الموجودات، فبعضهم جعله الفلك فقط، وبعضهم جعل مع الفلك موجودا آخر بريئا من الهيولى، وهو الذي يسمونه واهب الصور. والفحص عن هذه الآراء ليس هذا موضعه، وأشرف ما تفحص عنه الفلسفة هو هذا المعنى ... (2) ابن رشد وكتاب «الخطابة» لأرسطو
ومن الكتب التي عالجها ابن رشد كتاب ترجح نسبته إلى أرسطو - وهو كتاب الخطابة - وقد اتبع فيه ابن رشد طريقة التلخيص، وكان تعويله فيه على الترجمة الحرفية، ومثالها ترجمة أسماء الحكومات أو السياسات كما قال:
والسياسات بالجملة أربع: السياسة الجماعية، وسياسة الخسة، وسياسة التسلط، وسياسة الوحدانية وهي الكرامية. فأما الجماعية، فهي التي تكون الرئاسة فيها بالاتفاق والبخت لا عن استئهال. وأما خسة الرئاسة، فهي التي يتسلط فيها المتسلطون على المدنيين بأداء الإتاوة والتغريم، لا على جهة أن تكون نفقة للحماة والحفظة
6
ولا عدة للمدينة على ما عليه الأمر في السياسات الأخرى، بل على جهة أن تحصل الثروة للرئيس الأول، فإن جعل لهم حظا من الثروة كانت رياسة الثروة، وإن لم يجعل لهم حظا من الثروة كانت رياسة التغلب وكانوا بمنزلة العبيد للرئيس الأول. وأما جودة التسلط فهو التسلط الذي يكون على طريق الأدب والاقتداء بما توجبه السنة، وهذا التسلط صنفان: رياسة الملك، وهي المدينة التي تكون آراؤها وأفعالها بحسب ما توجبه العلوم النظرية، والثانية رياسة الأخيار، وهي التي تكون أفعالها فاضلة فقط وهذه تعرف بالإمامية، ويقال إنها كانت موجودة في الفرس الأول فيما حكاه أبو نصر (الفارابي).
وأما وحدانية التسلط، فهي الرياسة التي يحب الملك أن يتوحد فيها بالكرامة الرياسية، وألا ينقصه منها شيء بأن يشاركه فيها غيره، وذلك يفيد مدينة الأخيار ...
فجودة التسلط - أي: الحكومة الأرستقراطية - مأخوذة من المعنى الحرفي لكلمة أريستوس
Aristos
بمعنى الأحسن، وخسة الرياسة مأخوذة من المعنى الحرفي لكلمة أليجوس، بمعنى القلة والضآلة، وقد يكون من أسباب وصفها أنها متصفة مع هذه التسمية برداءة الحكم وسوء الرياسة، ووحدانية التسلط مأخوذة من المعنى الحرفي لكلمة مونو
Mono
Unknown page