ومن المحقق أن آثاره الباقية أقل من آثاره التي انتشرت في أيام حياته، فقد أحرق منها في حياته شيء وحرم بعد مماته شيء، وعجل الكمد بأجله فلم ينفعه العفو عنه والرجوع به إلى سابق مكانته، ومرض بعد استدعائه إلى مراكش والعفو عنه مرضه الذي مات به «ليلة الخميس التاسعة من صفر، سنة خمس وتسعين وخمسمائة، بموافقة عاشر دجنبر»، فدفن بجبانة باب تاغزوت، ثم نقل رفاته إلى قرطبة حسب وصيته، فدفن بها في روضة سلفه بمقبرة ابن عباس.
واختلفوا في تاريخ وفاته؛ فقال ابن الأبار:
1 «وامتحن بأخرة من عمره فاعتقله السلطان وأهانه، ثم عاد فيه إلى أجمل رأيه واستدعاه إلى حضرة مراكش، فتوفي بها يوم الخميس التاسع من صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة، قبل وفاة المنصور الذي نكبه بشهر أو نحوه، ودفن بخارجها، ثم سيق إلى قرطبة فدفن بها مع سلفه - رحمه الله. وذكر ابن فرقد أنه توفي بحضرة مراكش بعد النكبة الحادثة عليه المشتهرة الذكر، في شهر ربيع الأول سنة خمس وتسعين وخمسمائة، وغلط ابن عمر فجعل وفاته تاسع صفر سنة ست وتسعين، ومولده سنة عشرين وخمسمائة، قبل وفاة جده القاضي أبي الوليد بأشهر.»
والأصح على أرجح الروايات، ومع مضاهاة التقويم الهجري على التقويم الميلادي أنه توفي في التاريخ الذي ذكره الأنصاري آنفا، وقد أعقب ذرية لم يشتهر منهم غير ولده عبد الله الذي تعلم الطب كأبيه وعمل في بلاط الخلفاء. (2) فلسفة ابن رشد
أو على الأصح إنهما فلسفتان لا فلسفة واحدة: فلسفة ابن رشد كما فهمها الأوروبيون في القرون الوسطى، وفلسفة ابن رشد كما كتبها هو واعتقدها ودلت عليها أقواله المحفوظة لدينا.
وفلسفة ابن رشد كما فهمها الأوروبيون في القرون الوسطى يلاحظ عليها ثلاثة أمور:
أولها:
أنهم اعتمدوا في فهم فلسفته على شروحه لأرسطو وتلخيصاته لبعض كتبه، ومهما يكن من إعجاب ابن رشد بأرسطو فآراء الفيلسوف العربي لا تطابق آراء الفيلسوف الإغريقي في كل شيء.
وثانيها:
أنهم اعتمدوا على تلك الشروح والتلخيصات مترجمة إلى اللغة اللاتينية أو العبرية، ولا تخلو الترجمة من اختلاف.
Unknown page