لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، وقوله:
ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ، وقوله:
قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ، ويرى أن هذه الآيات الثلاث تدل بشهادة الفطرة السليمة والطبع المستقيم على نفي الألوهية عمن سواه، وعلى أنه واحد لا شريك له، وعليه فيكون الدليل الذي يؤخذ منها هو الدليل الذي يقره الطبع والشرع لمعرفة الوحدانية لله تعالى.
وهكذا، استرسل فيلسوف الأندلس في بيان الطريقة الطبيعية والشرعية التي يراها ناجعة في إثبات ما يجب لله من صفات الكمال، وفي نفي ما يجب نفيه عنه من صفات النقص، ناقدا في ذلك كله طرق المتكلمين التي لا تفيد العامة أو الخاصة، مما يقصر المقام عن متابعته فيه. (3)
بقي بعد ما تقدم كله أن يبين لنا رأيه في الاستدلال لأمهات المسائل التي اختلف فيها المتكلمون والفلاسفة، وهي ثلاث: علم الله، وقدم العالم، وكيفية الجزاء في الدار الأخرى.
والكلام في هذه المسائل - ونحوها مما يتصل بها - من الناحية الموضوعية، مكانه القسم الخاص بعمل ابن رشد في الرد على الغزالي وكتابه «تهافت الفلاسفة»، وإذن نكتفي هنا فيها بكلمات موجزة من ناحية ما يتصل بالتوفيق بين الحكمة والشريعة فحسب.
ففي صفة العلم يرى أن الله خلق العالم لغاية خاصة؛ ولهذا جعله على ترتيب يحقق تلك الغاية، فيجب أن يكون عالما به وبأحواله كلها؛ بدليل قوله: ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير! وهذا ما يجب أن يعتقد، وهذا طريقه من القرآن، يقتنع ويوقن به العامة والخاصة والمتكلم وأولو العلم والبرهان، ولهؤلاء وحدهم أن يبحثوا - فلسفيا - الفرق بين علم الله وعلم الإنسان، وأن الله لا يصح أن يوصف علمه بأنه كلي أو جزئي، وإن كان
وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين .
وفي مسألة قدم العالم أو حدوثه، لا يرى أنها مشكلة يكفر بسببها جماعة ويؤمن آخرون، بل إن الخلاف فيها بين المتكلمين والفلاسفة لفظي لا حقيقي؛ فهو خلاف في غير موضع للخلاف.
القرآن صرح في آيات عديدات بأن العالم مخلوق مصنوع، وهو بما فيه من نظام عجيب، وتركيب محكم، وموافقة تامة لما خلق له يحمل الدلائل القاطعة على أنه محدث؛ إذ ليس يمكن - كما ذكرنا من قبل - أن تكون هذه الموافقة وذلك النظام والترتيب عن صدفة واتفاق، بل لا بد أن يكون ذلك كله «من قاصد قصده، ومريد أراده، وهو الله عز وجل.»
Unknown page