بأكثر مما تمنعان وأطيبا
بني الذي أهديته أمس للثرى
فلله ما أقوى قناتي وأصلبا
فإن تمنعاني الدمع أرجع إلى أسى
إذا فترت عنه الدموع تلهبا
ويبعد أن تكون رثاء لابنه الأكبر هبة الله، فهي - على الأرجح - رثاؤه لأصغر أبنائه الذي لم يذكر اسمه، ولا ندري هل مات قبل أخيه أو بعده، ولكن يخيل إلينا بالمقابلة بين هذه المراثي أن الأبيات البائية كانت آخر ما رثي به ولدا؛ لأنها تنم عن فجيعة رجل راضه الحزن على فقد البنين حتى جمدت عيناه، ولم يبق عنده من البكاء إلا الأسى الملتهب في الضلوع، وإلا العجب من أن يكون قد عاش وصلبت قناته لكل هذه الفجائع، وقد كان رثاؤه لابنه الأوسط صرخة الضربة الأولى، ففيها ثورة لاعجة تحس من خلال الأبيات، ثم حل الألم المر محل الألم السوار في مصيبته الثانية، فوجم وسكن واستعبر، ثم كانت الخاتمة، فهو مستسلم يعجب للحزن كيف لم يقض عليه، ويحس وقدة المصاب في نفسه ولا يحسها في عينيه.
ولقد غشيت غبرة الموت حياته كلها، وماتت زوجته بعد موت أبنائه
5
جميعا، فتمت بها مصائبه، وكبر عليه الأمر، وقل فيه العزاء؛ فهو يقول:
عيني سحا ولا تشحا
Unknown page