في برده قمر وشير
يعني الأسد.
وربما نظموا في أوزان الشعر الفارسية كالدوبيت والرباعية، أو تفننوا في التسميط والتوشيح والازدواج على نحو ما نراه من كلف بعض الشعراء المعارضين باختراع الأوزان والأعاريض.
وامتاز هذا العصر والذي تقدمه بما يصح أن نسميه علم الشعر تمييزا له من العناية بنظم الشعر نفسه؛ فقد كان الشعراء المولدون يأتون بالمحسنات البليغة عفوا، أو محاكاة للأقدمين، أو تصرفا في الاختراع، ولا يسمون هذه المحاسن بأسمائها، أو يستخرجون منها علما مرتبا على أقسام، معززا بشواهد، وسبق في هذا المجال أمثال بشار ومسلم والعتابي وأبو نواس، وتلاهم أبو تمام وتلامذته في أوائل القرن الثالث، ثم تمكن حب التعريف والتقسيم والتخريج والتأويل من عقول الأدباء، وكتب الجاحظ وقدامة بن جعفر وابن المعتز في هذه المعاني فإذا علم جديد مقيس على الشواهد معروف بالأسماء.
وما انتهى القرن الثالث حتى كانت لهم نظرة في الشعر كالنظرة التي رواها صاحب زهر الآداب عن الحاتمي إذ يقول:
مثل القصيدة مثل الإنسان في اتصال بعض أعضائه ببعض، فمتى انفصل واحد عن الآخر وباينه في صحة التركيب غادر الجسم ذا عاهة تتخون محاسنه، وتعفي معالمه، وقد وجدت حذاق المتقدمين وأرباب الصناعة من المحدثين يحترسون في مثل هذا الحال احتراسا يجنبهم شوائب النقصان، ويقف بهم على محجة الإحسان، حتى يقع الاتصال ويؤمن الانفصال، وتأتي القصيدة في تناسب صدورها وأعجازها، وانتظام نسيبها بمديحها كالرسالة البليغة، والخطبة الموجزة لا ينفصل جزء منها عن جزء. وهذا مذهب اختص به المحدثون لتوقد خواطرهم، ولطف أفكارهم، واعتماد البديع وأفانينه في أشعارهم، وكأنه مذهب سهلوا حزنه، ونهجوا دارسه.
فأما الفحول الأوائل ومن تلاهم من المخضرمين والإسلاميين، فمذهبهم التعالم عن كذا إلى كذا، وقصارى كل أحد منهم وصف ناقة بالعتق والنجابة والنجاء، وأنه امتطاها فادرع عليها جلباب الليل، وربما اتفق لأحدهم معنى لطيف يتخلص به إلى غرض لم يتعمده، إلا أن طبعه السليم وصراطه في الشعر المستقيم نضى تياره، وأوقد باليفاع ناره.
إلى أن يقول بعد أبيات أوردها للنابغة الذبياني:
وهذا هو كلام متناسب تقتضي أوائله أواخره، ولا يتميز منه شيء عن شيء ... ولو توصل إلى ذلك بعض الشعراء المحدثين الذين واصلوا تفتيش المعاني، وفتحوا أبواب البديع، واجتنوا ثمر الآداب، وفتقوا زهر الكلام؛ لكان معجزا عجبا.
فهذه النظرة تريك أثر البديع في كتابتهم، وفي نقدهم القصيد، فأما الكتابة فهذا نمط منها تكثر فيه الاستعارة مع القصد إلى معنى يراد ويفهم، وأما النقد فمذهبهم في وحدة الأغراض واتصال الأجزاء لا يخالف مذهب المعاصرين إلا باستحسان التلفيق بين المديح والنسيب، وعذرهم أن المديح كان قوام حياة الشاعر يومئذ؛ فما كان الاستغناء عنه والاعتماد على النسيب وحده بالمستطاع. •••
Unknown page