163

Ibn Rumi

ابن الرومي: حياته من شعره

Genres

بجفاء أردفته هجرانا

وتيقن أني مقيم على العه

د حياتي، وخذ بذاك ضمانا

لا أعد الذنوب منك ذنوبا

بل هدايا مقبولة وحنانا

فلم يجد ذلك في استعطاف ابن عمار، ولم يثنه عن عدائه وثلبه، ثم تقرأ في ديوان ابن الرومي فترى فيه قصيدة قالها قبل موته بخمسة أيام أو ستة يمدح الجراح على لسان ابن عمار هذا لتيسير منفعة كان يرجوها لديه.

ونظن أننا في غنية عن سرد القصص والأمثلة على عطف ابن الرومي وغرارته وطيب قلبه، فقد كان العطف - كما أسلفنا - حاجة من حاجات طبعه، وضرورة من ضرورات حياته، وآية ذلك بينة في شعره كله، وفي تفجعه على أحبابه، وشدة فقده لأهله، وقناعته منهم باليسير من المودة يأخذها حيث وجدها، ويأسى عليها حيث لا يجدها، وهو القائل وقد صدق:

وإني لبر بالأقارب واصل

على حسد في بعضهم وعلى بغض

ولقد آن أن ننبذ تلك الطريقة العتيقة التي كان بعض الأقدمين يعتمدونها في نقد الأخلاق، وتسمية أسمائها، والمقابلة بين المتشابه والمتخالف منهما؛ فإنهم تعودوا أن يأخذوا فيها بالأعراض دون الجواهر، وبالظواهر دون المخابر، وكانوا ينظرون إلى السمات البادية ولا ينظرون إلى ما وراءها من بواعثها ... فللغضب الدائم والحقد سمة واحدة؛ فهما إذن خلق واحد! ومتى كان الشاعر كثير الذم والإنحاء على الناس، فهذه حجة جديدة تضاف إلى سمات وجهه، فلا جدال إذن في حقده، ولا شك في قبح سريرته وجنوحه إلى الشر دون الخير، والعداوة دون المودة، فإذا اتفق مع هذا أنه شهد على نفسه بالحقد فقد بطل الجدال، وحقت عليه الكلمة، ونفذ فيه القضاء، ألا تراه ناقما مغتما؟ ثم ألا تراه هاجيا لا يكف عن الذم والشتيمة، ثم ألا تراه يقر بذنبه ويصارح الناس بدفين بغضه؟ فماذا بقي بعد من أسباب الحكم غير أن يوصم وأن يدان؟!

Unknown page