108

Ibn Ḥazm wa-mawqifuhu min al-ilāhiyyāt ʿarḍ wa-naqd

ابن حزم وموقفه من الإلهيات عرض ونقد

Publisher

مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي كلية الشريعة والدراسات الإسلامية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٠٦ هـ

Publisher Location

جامعة أم القرى - المملكة العربية السعودية

Genres

العناصر والسلالات ومن احتكاك بين المسلمين والنصارى إلى صراع بين أصحاب الفرق والمذاهب. ولا شك في أن كل هذه المظاهر المختلفة من الاختلاط قد عملت على تنشيط الحركة الفكرية في أرجاء بلاد الأندلس على الرغم مما صحبها من مظاهر الانحلال الخلقي والتفكك الاجتماعي، وقد قوى واشتد اختلاط المسلمين بالنصارى. لما ضعف شأن الأمراء المسلمين وصاروا يستعينون ببعض النصارى ويدفعون لهم الإتاوات أحيانًا. وكان اختلاط ابن حزم بتلك الجماعات عاملًا قويًّا في تحديد نوع اتجاهه الفكري وصبغ تفكيره بطابع جدلي. وفي الحق أن كل شيء في الأندلس كان يتجه إلى تكوين عالم جليل كابن حزم، إن توافرت الواهب التي تكون كمواهبه والمنزع القوي الذي يكون كمنزعه، وقد توافرت تلك العناصر فكان إمام الأندلس وفقيهها. (^١)
ولكن ظاهرة اجتماعية سيطرت على الأندلس كغيرها. وهي اتخاذ الدين وسيلة إلى الدنيا وذريعة إلى الغض من الخصوم، وكان السلاطين لا يعفون عن إثارة الناس على من يحقدون عليه كما كان بعض العلماء أسرع استجابة إلى تهييج الجماهير على من يخالف لهم مذهبًا أو ينافسهم في جاه أو ينتزع منهم سلطة. أو من يخشى إقبال الناس عليه لمواهبه وفضله وكفايته. وقد حصل لأبي محمد بن حزم التشريد من الأوطان من الأمراء والولاة والتخطئة والتجهيل وتحذير الناس منه وتزهيد الطلاب فيه من العلماء فجفته الديار ونفر منه الأصحاب وإن خفت صوته في حياته وبعد وفاته بزمن قليل فقد ظهر واشتد بعد ذلك.

(^١) انظر ابن حزم لأبي زهرة ص ١١٥.

1 / 109