Ibn Ḥazm ḥayātuh wa-ʿaṣruhu ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Publisher
دار الفكر العربي
Publisher Location
القاهرة
كان لذلك الالتقاء الفكري أثره في تفكير ابن حزم، ولعله كان أوضح فيه تأثيراً من غيره، فهو يختار مذهب الشافعي، ولم يكن منتشراً في الأندلس، ثم يختار مذهب أهل الظاهر، وهو وافد إلى الأندلس، ولم يكن له أي سلطان فيها!!
١٥ - لقد كان عصر ابن حزم عصر العلم حقاً في الأندلس. فقد انصرف إليه أمراء بني أمية مجاراة لأولاد عمومتهم العباسيين في الشرق. فزخرت مجالسهم بالعلماء، وامتلأت مكتباتهم بالكتب، ولقد روى ابن حزم تلك الكتب، وروى كثرتها. فقد جاء في نفح الطيب ما نصه:
((قال أبو محمد بن حزم أخبرني تليد الحمصي [وكان على خزانة العلم والكتب بدار بني مروان أن عدد الفهارس التي فيها تسمية الكتب أربع وأربعون فهرسة، وفي كل فهرسة عشرون ورقة ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين لا غير)).
وإن كثرة الكتب تجعل للباحث عدة أساتذة لم يخاطبهم ولم يخاطبوه، ولكنهم سجلوا علومهم فخاطبوا الأجيال جميعاً، وتوعى عليهم بهذا الاعتبار. وبذلك يصعب على الباحث أن يعرف من تأثر بهم العالم الذي يدرسه إلا إذا أخبرنا هو عن أشد العلماء تأثيراً في نفسه، أو أشد الكتب إيعازاً في فكره، وبعثاً له، فإن أساتذته يتعددون والمجهولون منهم أكثر من المعروفين، والمذكورون أكثر من المغمورين، إلا ما تثبته المشابهة، والمشاركة في الفكرة، ويثبت معه الاتفاق الفكري بين المتشابهين.
وإذا كانت الكتب كثيرة تلك الكثرة في عصر ابن حزم، والتلقي كبيراً على ذلك النحو، فإنه يكون على الباحث في أثناء الدراسة أن يتعرف الأفكار التي كانت تسود، والعلوم التي كانت مدونة، والمبسوطات المختلفة في العلوم، والكتب الجامعية التي يظن أن ذلك العالم الجليل تخرج عليها، كما تخرج على الشيوخ الذين خاطبهم ودرس عليهم.
١٦ - وإن عصر ابن حزم كان عصر الاضطراب السياسي، فهو عصر انتهاء دولة وابتداء أخرى، والناس بينهما في مضطرب من الأفكار والمنازع
16