Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
أيديهم كالمادة الطبية بين الأطباء، يعدها لهم الصيادلة، كما قال الأعمش المحدث لأبي حنيفة الفقيه، ولقد كان في العراق المنزعان، وعن أيهما ينزع أحمد بقوسه، وكلا الموردين صافي المنهل عذب.
كان في بغداد فقه العراق، وقد دونه أبو يوسف ومحمد، والحسن بن زياد اللؤلؤي، وغيرهم، وكان في بغداد المحدثون والحفاظ.
٢٠- ولقد اختار أحمد في صدر حياته رجال الحديث، ومسلكهم، فاتجه إليهم أول اتجاهه، ويظهر أنه قبل أن يتجه إلى المحدثين راد طريق الفقهاء الذين جمعوا بين الرأي والحديث، فيروى أن أول تلقيه كان على القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ولكنه مال من بعد إلى المحدثين الذين انصرفوا بحملتهم للحديث، فقد قال: ((أول من كتبت عنه الحديث أبو يوسف))(١).
ولكنه لم يدم في الأخذ عنه، وانصرف كما قلنا إلى المحدثين، ومع أننا نقرر أنه انصرف إلى الحديث، لا نقول إنه انصرف انصرافا قطعه عن الاطلاع على ما أنتجته عقول الفقهاء العراقيين من فتاوى وأقضية وتخريج، بل إنه قد اطلع عليها، ولكن لم تكن همته إليها، ولم تكن بغيته نحوها، وإن كان الاطلاع عليها أمرا له ثمراته في علم الدين، فلقد جاء في تاريخ الحافظ الذهبي: ((قال الخلال كان أحمد قد كتب كتب الرأي وحفظها، ثم لم يلتفت إليها)).
فهذا خبر ليس لنا أن نرده، ولكنا نقبله، لأنه من غير المألوف أن تكون تلك النتائج العلمية بين يديه، ولا يعرفها، أو يستنكرها قبل أن يطلع عليها، ولكنا مع قبولنا لذلك الكلام لا نقول إنه اطلع على كتب الرأي وحفظها في مطلع حياته، بل إن إلمامه بها كان في غضون حياته العلمية بعد أن استمكن من علم الحديث، وصار فيه الحجة الثبت الثقة.
وعلى ذلك يكون موقف أحمد من فقه الرأي أنه راد طريقه في صدر حياته، بدليل أنه تلقى أول الحديث عن أبي يوسف، وهو قد كان من فقهاء الرأي ذوى
(١) المناقب لابن الجوزي ص ٢٣
20