Ibn Ḥanbal ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu – ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
وقد جاء فقيه جمع من أصحاب أحمد الذين ذكرناهم، وغيرهم، وقطع الفيافي والقفار في سبيل هذا الجمع، وهو أبو بكر الخلال الذي يعد جامع الفقه الحنبلي، وناقله، ولذلك نخصه بكلمة.
٦٨ - وقد قيض الله ذلك العالم الجليل لحفظ مذهب ذلك الإمام الأثري الكبير، وقد قال ابن القيم في ذلك: ((كان (أحمد) شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد ذلك عليه جدا، فعلم الله حسن نيته، وقصده، فكتب من كلامه وفتواه أكثر من ثلاثين سفرا، ومن الله سبحانه علينا بأكثرها، فلم يفتنا منها إلا القليل، وجمع الخلال نصوصه في الجامع الكبير، فبلغ نحو عشرين سفرا، أو أكثر، ورُويت فتاويه، ومسائله، وحدث بها قرنا بعد قرن، فصارت إماما وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم))(١)
وقد قال ابن الجوزي فيه:
صرف عنايته إلى جمع علوم أحمد بن حنبل، وسافر لأجلها، وكتبها عالية ونازلة، وصنفها كتبا، ومعنى أنه كتبها عالية ونازلة أنه روى بعضها عن أصحاب أحمد، وبعضها عمن روى عنهم.
صحب الخلال أبا بكر المروذي إلى أن مات، ويظهر أنه هو الذي حبب إليه رواية فقه أحمد، فشغف بذلك شغفا شديدا، وقد جاب الآفاق في سبيل ذلك، فأخذ عن أولاد الإمام أحمد وعمه، وحرب الكرماني، والميموني، وغيرهم كثير جدا، وقد وصف العليمي من أخذ عنهم ممن لم يحصهم، فقال: ((يكثر تعدادهم، ويشق إحصاء أسمائهم، سمع منهم مسائل أحمد، ورحل إلى أقصى البلاد في جمع مسائل أحمد، وسماعها ممن سمعها من أحمد، ومن سمع من سمعها من أحمد، فنال منها، وسبق إلى ما لم يسبقه إليه سابق، ولم يلحقه بعده لاحق))(٢).
ولقد روى مع فقه أحمد قدرا كبيرا من الحكم التي وصلت إلى أحمد عمن سبقه من علماء عصره، فقد روى بسند متصل إلى أحمد أنه قال: قال سفيان الثوري: ((حب الرياسة أعجب إلى الرجل من الذهب والفضة، ومن أحب الرياسة طلب عيوب الناس))
(١) أعلام الموقعين ج١ ص ٢٣.
(٢) المنهج الأحمد ج ١ ص ٣٩٢.
182