Ibn Ḥanbal ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu – ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
في كمه، فقال: لا تكتب رأيا لعلي أقول الساعة بمسألة، ثم أرجع غدا عنها (١))).
وإذا كان أحمد يكره أن تنقل عنه مسائل، وأن ما كتب كان بكراهة منه، أو خفية عنه، فإن المنقول لابد أن يكون قليلا، وإذا كان كثيرا، فالخطأ قريب راجح في العقل، وقد رويت عنه مسائل كثيرة لا تقل عما روي عن أبي حنيفة، ومالك فكانت تلك الكثرة مع هذا النهي ذريعة الخطأ والرد.
ثانيها: أن بعض صحابته الذين أكثروا من النقل عنه، والذين كانوا مصدرا كبيرا لفقهه قد أثرت عنه عبارات تدل على أنه نشر عن أحمد مسائل قبل أن يراه حرب الكرماني، وهو من أكثر الرواية عن أحمد ذكر أنه نشر أربعة آلاف مسألة بالسماع قبل أن يراه، بل إن الذي روى هذا الفقه وهو أبو بكر الخلال يحكي أن المسائل التي رواها عن حرب، وهي أربعة الآلاف هذه قد رواها حرب من غير تلق عن أحمد، وإليك نص ما يقوله الخلال:
((قال لي: كنت أتصوف قديما. فلم أتقدم في السماع، وقال لي: هذه المسائل حفظتها قبل أن أقدم إلى أبي عبد الله، وقبل أن أقدم إلى إسحاق بن راهويه، وقال لي: هي أربعة آلاف عن أبي عبد الله، وإسحاق بن راهويه. ولم أعدها (٢)))
وإذا كان الخلال، وهو يعد كأسد بن الفرات، وسحنون في رواية المذهب المالكي الذي جمعت أكثر فروعه المدونة قد روى مسائل لم يتلقها، عن صاحبها وهو حي، وإن عددها كبير جدا، فمن حق العلم أن يتظنن في النقل، وألا يسلم من غير أن يزيل ذلك الريب.
ثالثها: أن المروي عن ذلك الإمام الأثري الذي كان يتحفظ في الفتيا، فيقيد نفسه بالأثر، ويتوقف حيث لا أثر ولا نص بشكل عام - ولا يلجأ إلى الرأي إلا في الضرورة القصوى التي تلجئه إلى الإفتاء - كان المروي كثيرا جدا والأقوال المروية عنه متضاربة، وذلك لا يتفق مع ما عرف عنه من عدم الفتوى إلا فيما يقع من المسائل ولا يفرض الفروض، ويشقق الفروع، ويطرد العلل، ولقد كان يكثر من لا أدري
(١) طبقات الحنابلة المختصرة لابن أبي يعلى ص ١٧
(٢) طبقات ابن يعلى ص ١٠٣
169