Ibn Ḥanbal ḥayātuhu wa-ʿaṣruhu – ārāʾuhu wa-fiqhuhu
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
٣٢ - هذه أقوال أحمد ناطقة نطقًا صريحًا بأنه يرى أن الإمامة كما تكون بالرضا السابق على التولية وتجيء الولاية تابعة له، قد تكون بالغلب بأن يتغلب شخص بسيفه على المسلمين، ويتولى أمورهم فيطيعوه، فتكون العافية للجماعة الإسلامية في عدم الخروج عليه، وإصلاحه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو صريح في وجوب طاعة البر والفاجر، ووجوب الإخلاص له في السر والعلانية، وصريح في أن الخروج عليه بغي، وشق لوحدة الجماعة، وخروج على السنة، وميل إلى البدعة.
ويظهر أن أحمد ما كان يرى الطاعة في أمر قد محض للمعصية، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ويؤخذ ذلك من أفعاله، لا من أقواله، فالمعتصم والواثق، ومن قبلها رسل المأمون حاولوا حمله على أن يقول في القرآن غير ما يعتقد، فما أجابهم إلى ما طلبوا ورضي بالعذاب الهون عن أن يجيبهم إلى ما يقولون، ولم يكن في ذلك النوع من المخالفة للسلطان خروج، ولا دعوة إلى الخروج، لأن الخروج أن يجاهر بعصيانه ويقاتله، والدعوة إلى الخروج تحريض الناس على العصيان والقتال، وبث روح التمرد في النفوس ولم يكن في امتناع أحمد عن أن يقول مقالة الخليفة في أمر القرآن شيء من ذلك، إنما هو الاستمساك بالعروة الوثقى في نظره، والصبر على المحنة في سبيلها، وإن جار السلطان وظلم فطاعته واجبة، ولذلك يقول في بيان بعض ما تدعو إليه السنة: ((الصبر تحت لواء السلطان على ما كان منه من عدل أو جور، ولا يخرج على الأمراء بالسيف، وإن جاروا)) (١)
فالذي ينهى أحمد عنه هو الخروج بالسيف، أو ما يؤدي إلى ذلك، وليست الطاعة تتقاضى الطائع أن يقول كل ما يرضي الخليفة بالحق وبالباطل، فإن ذلك هو الرياء والنفاق.
٣٣ - وإذا كان أحمد يحث على الطاعة ولزوم الجماعة، وينهى عن الخروج بالسيف أو ما يؤدي إليه، فأي طريق يرى سلوكه لحمل الولاة والأمراء على العدل، واجتناب الظلم، لقد كان مالك رضي الله عنه يرى ما رآه أحمد من بعده، ولكنه كان يرى أن النصح لأئمة المسلمين هو الطريق المثلى لحملهم على العدل، وإقامة السنة، ولذلك اختلط
(١) المناقب ص ١٧٦
151