وهذا كلام العارف الحكيم، المؤمن الكامل، وهو هدى ونور لمن يريد الهدى والنور.
يريد العارفون أن يفصلوه - سبحانه وتعالى - عن العالم من شدة التنزيه فلا يقدرون، ويريدون أن يجعلوه عين العالم من شدة القرب، فلا يتحقق لهم ما يقولون.
فالقلوب حائرة، والعقول هائمة، وبذلك ظهرت عظمة الله - تعالى - الذي ليس كمثله شيء، والذي لا تدركه العقول ولا الأبصار، وهو يدرك العقول والأبصار، وهو على كل شيء قدير، و
سبحان ربك رب العزة عما يصفون .
محيي الدين المفترى عليه
لم يشهد تاريخ الفكر الإسلامي جدلا وحوارا، أشد ولا أعنف من الجدل والحوار الذي أثير حول محيي الدين، ولست أغالي إذا قلت: إن محيي الدين هو الراية التي دارت حولها المعارك بين المتصوفة وخصومهم من شتيت الفرق والطوائف والمذاهب، منذ القرن السابع الهجري إلى يومنا.
فمحيي الدين، قد فتن به قوم وهاموا بآثاره حبا وغراما، وطافوا حول تراثه إجلالا وإكبارا، وتنادوا بأن الفتوحات هي أعظم آثار الفكر الإسلامي، وأعلى ذرى العطايا اللدنية، والمنح الإلهية في نهج التصوف والمتصوفة، وأنه القطب والغوث والإمام والشيخ الأكبر.
وغضب قوم على محيي الدين، وثاروا به وتفننوا في تجريحه والنيل منه، وألحدوا بكل ما قال وظنوا السوء، بل وأكثر من السوء في كتبه وآرائه.
وخصوم محيي الدين على لونين؛ ففريق لم يفهم محيي الدين، وقصرت أجنحته عن التحليق في آفاقه، وعجزت أقدامه وسواعده عن الجري مع عبابه وأمواجه؛ فأنكر وجحد، ورماه بالغموض والإبهام والتقنع لمآرب وأغراض.
وفريق آخر أنكر التصوف جملة، وجحد المتصوفة كافة، ورأوا في محيي الدين الحصن الأكبر والصرح الممرد الشاهق للتصوف والمتصوفة؛ فوجهوا ريحهم إليه، وأجروا سفنهم بالكيد له، والتطاول عليه؛ حتى ينتقض الصرح من أساسه، وينفض السامر، وتخلو ساحاته من البطل والزعيم.
Unknown page