سحيق الهاوية
ابن عمار في السوق سلعة لمن يغلي الثمن والمعتمد ممن عرض عليهم الشراء فمن يشتري ويغلي ثم يغلي إذا لم يكن المعتمد؟
إنه يشتري صداقة خمسة وعشرين عاما، إنه يشتري شبابه جميعا، شباب أمير شاعر ملك، إنه يشتري نفسه في أمتع فترات نفسه، وماذا للشاعر الشيخ غير شبابه وشعر شبابه؟ إن كل لحظة من شبابه لم يدر بها الفلك إلا وابن عمار قطب فيها، لماذا لا يغلي المعتمد؟ إنه يشتري في ابن عمار مرآة أنضر ملاوة
1
من حياته.
ثم يشتري من بعد أبغض فترة في حياته، يشتري الصداقة الخائنة، يشتري العهد المضاع، يشتري الأخوة الخادعة، يشتري من هدم الصروح الشوامخ من ثقته وحبه ووفائه، يشتري ذلك الذي سود الدنيا في عينيه؛ فبعد أن كانت إشراقة حب وضياء ووفاء أصبحت ظلام خيانة وليل خداع.
اشتراه المعتمد إذن وأرسل بابنه الراضي ليأتي به، وأوصى ابنه أن يحذر من خداعه، وأن يكثر عليه الأحراس.
وأخذ الراضي صديق أبيه وسار الركب حتى بدت طوالع قرطبة، فتذكر ابن عمار وما كان بحاجة إلى قرطبة ليتذكر فهو لا ينسى أبدا، لا ينسى كيف فتح قرطبة هذه في أول عهد المعتمد، ولا ينسى كيف كان يدخل قرطبة بعد ذاك تحف به المواكب الضخام وترنو إليه العيون، والسعيد السعيد من يلمس حوافر خيله والسعيد الأسعد من يلم طرف ردائه، لا ينسى ابن عمار، لا ينسى.
وبلغت طوالع موكب الأسير ظاهر قرطبة فإذا هناك حشد كبير، لم يجتمع لتحية ابن عمار، ولم يجتمع لإكرامه، وإنما جاء يشهد القمة تنحط إلى الهاوية، والمجد ينحدر إلى الحضيض.
والناس للدنيا تبع
Unknown page