فليست القداسة أن تكون نورا وأنت نور، وليس الفخار أن تكون نارا وأنت نار.
وإنما القداسة والفخار أن تكون نورا ونارا وأنت تراب، وأن تسبح وتقدس وأنت قادر على الفساد والعدوان.
وكلما ذكرت الأخلاق الحية فقد ذكر تاريخ الشيطان في ثوب الحياة، وقد ذكر تاريخ الغواية والحرية في المطاوعة والاعتصام، وتلك هي الأخلاق الحية كما تعيش في اللحم والدم، وفي القيم والمزايا، فأما الأخلاق في صفحات الورق وفي مصطلحات الباحثين فهي كلمات وحروف وأصداء.
ولم يوجد النوع البشري بصفاته وأخلاقه ليكتبها سطورا على صفحات، ويجمعها أطروحة في قاعة درس، أو سفرا على الرف إلى جانب أسفار.
ولكنه وجد بصفاته وأخلاقه ليحياها ويعيش بين حقائقها، ويعطيها الأسماء التي تدله على تلك الحقائق كما يستقبلها بحسه وشعوره، ويواجهها برجائه وخوفه، وبإقباله ونفوره، وينادى بالاسم من هذه الأسماء فلا يفهمه كما تفهم الكلمة عند المراجعة في القواميس، بل يفهمها حبا وبغضا، وغبطة وندما، ورضوانا وسخطا، وحركة تنبض بها العروق، وسرا يختلج في الأعماق.
وهكذا ينطبع الحي على صفاته وأخلاقه، وهكذا تتعارف عليها الأمم وهي تحيا وتعتلج بالحياة، وهكذا تضطرب بين الأكوان التي لا تحصرها الأوراق ، ولا تحدها الحروف، ولا تحتويها العقول، بل تجيء العقول طارئا عليها، وضيفا في رحابها، وقد مضى عليها في مكانها أدهار بعد أدهار، وأسماء بعد أسماء، ولغات بعد لغات.
الشيطان!
أي مجموعة من الأسفار تؤدي للضمير ما تؤديه هذه الكلمة بقارعة واحدة تنفذ من الآذان إلى الأعماق.
وإلى اليوم يكتب الباحثون ألف مذهب ومذهب، ويلحقون بها ألف «لوجي ولوجي» على غرار السيكولوجي، والبيولوجي، والميثولوجي، وغيرها من اللواحق في الأواخر على اختلاف الصيغ واللغات.
إلى اليوم يفرقون بين الصفات والأخلاق بهذه المصطلحات، فلا يبلغون بها في الحس ولا في الذهن ما بلغه المتكلمون بلغة الحياة ولغة الفطرة ولغة «الهيروغليفية» التي تسبق كل كتابة، وتلحق بكل كتابة إلى آخر الزمان.
Unknown page