كان الله ﷿ موجودا مثبتا، كان غير مستحيل أن يرينا نفسه ﷿، وإنما أراد من نفى رؤية الله ﷿ بالأبصار التعطيل، فلما لم يمكنهم أن يظهروا التعطيل صراحا أظهروا ما يؤول بهم إلى التعطيل والجحود، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
دليل آخر:
ومما يدل على رؤية الله سبحانه بالأبصار أن الله تعالى يرى الأشياء، وإذا كان للأشياء رائيا فلا يرى الأشياء من لا يرى نفسه، وإذا كان لنفسه رائيا فجائز أن يرينا نفسه، وذلك أن من لم يعلم نفسه لا يعلم الأشياء، فلما كان الله تعالى عالما بالأشياء كان عالما بنفسه، فكذلك من لا يرى نفسه لا يرى الأشياء، ولما كان الله ﷿ رائيا للأشياء كان رائيا لنفسه، وإذا كان رائيا لها فجائز أن يرينا نفسه، كما أنه لما كان عالما بنفسه جاز أن يعلمناها، وقد قال تعالى: (إنني معكما أسمع وأرى) من الآية (٤٦ /٢٠)، فأخبر أنه يسمع كلا منهما ويراهما، ومن زعم أن الله ﷿ لا يجوز أن يُرى بالأبصار يلزمه أن لا يجوز أن يكون الله ﷿ رائيا ولا عالما ولا قادرا؛ لأن العالم والقادر الرائي جائز أن يُرى.
مسألة:
فإن قال قائل: قول النبي ﷺ: (ترون ربكم) يعني تعلمون ربكم اضطرارا.
قيل له: إن النبي ﷺ قال لأصحابه هذا على سبيل البشارة، فقال: (فكيف بكم إذا رأيتم الله سبحانه)، ولا يجوز أن يبشرهم بأمر يشركهم فيه مع الكفار، على أن النبي ﷺ قال
1 / 53