والطريق كلها مصانع. ويروى أن الحسين (عليه السلام) كان قد نزل العقبة في طريقه إلى الكوفة ، وهناك لقيه شيخ من بني عكرمة يقال له : عمرو بن لوذان ، فسأله أين تريد؟ فقال الحسين (عليه السلام): «الكوفة». فقال الشيخ : أنشدك الله لما انصرفت ؛ فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف ، وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مؤنة القتال ، ووطؤوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا ، فأما على هذا الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل. فقال : «يا عبد الله ، ليس يخفى علي الرأي ، وإن الله تعالى لا يغلب على أمره». ثم قال : «والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم». ثم إن الشيخ صار يخبر بتوطيد ابن زياد الخيل ما بين القادسية إلى العذيب رصدا له ، ثم قال له : انصرف بنفسي أنت! فوالله ما تسير إلا على الأسنة والسيوف ، ولا تتكلن على الذين كتبوا إليك ؛ فإن اولئك أول الناس مبادرة إلى حربك. فقال الحسين (عليه السلام): «قد ناصحت وبالغت ، فجزيت خيرا». ثم سلم عليه ومضى (1). ويروى عن الصادق (عليه السلام) أن الحسين لما صعد عقبة البطن ، قال لأصحابه : «ما أراني إلا مقتولا». قالوا : وما ذاك يا أبا عبد الله؟ قال : «رؤيا رأيتها في المنام». قالوا : وما هي يابن رسول الله؟ قال : «رأيت كأن كلابا تنهشني ، وأشدها علي كلب أبقع». قالوا : ثم سار من العقبة قاصدا واقصة.
وثم قد نحب بالسير إلى
واقصة يطوي السهول والربى
(واقصة): بكسر القاف والصاد المهملة ، منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة يقال لها : واقصة الحزون ، وهي دون زبالة بمرحلتين ، وإنما قيل لها واقصة الحزون ؛ لأن الحزون أحاطت بها من كل جانب ، والمصعد إلى مكة ينهض في أول الحزن من العذيب في أرض يقال لها : البيضة حتى يبلغ مرحلة العقبة في أرض يقال لها : البسيطة ، ثم يقع في ارتفاع وهو سهل.
Page 90