صلى الله عليه وسلم ، لم يكن حنيفيا بالتأثير أو لمجرد التماس مع ذلك الفريق أو مع بعضهم، بل يذهب إلى احتسابه واحدا من جماعتهم، وقد اعتمد «مروة» في مذهبه هذا على تأكيد آيات القرآن الكريم لهذا المعنى، وضرب منها أمثلة من قبيل:
قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (الأنعام: 161).
ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا (النساء: 125).
24
أما المنهج الأمثل الذي كانت تطلبه الأحناف لتحقيق التوحد ووحدة الأعراب وقبائلها، فهو التوحيد الربوبي، والدعوة بدعوة الإله الواحد. والسبيل إلى تحقيق ذلك، فيما ذهبوا إليه، سبق وقرأناه بلسان الحنفاء وهم يطلبون وسيطا سماويا أرضيا، يطلبون نبيا (!).
25
ولا بد للوحدة السياسية من توحيد علوي يتمثل في سلطة إلهية واحدة موحدة عبر نبي عربي.
وهو الواقع الذي وعى قراءته مبكرا ابن خلدون، عندما عرض في مقدمته لمسألة الوحدة السياسية للعرب في مملكة موحدة، وأكد أن الملك لا يحصل لهم إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة ، وذلك في تقريره عن العرب:
أنهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة، والمنافسة في الرئاسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلق الكبر والمنافسة منهم، فسهل انقيادهم واجتماعهم، وذلك بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة والأنفة، الوازع عن التحاسد والتنافس.
26
Unknown page