فسقوكم حتفا ببيض ذفف
مستبشرين لنصر دين نبيهم
مستصغرين لكل أمر مجحف
20
وإذ يصر «ابن حبيب» في كتابه المحبر، على اغتيال أبي رافع سلام بن أبي الحقيق، بعد أحد مباشرة، فإن رواة السيرة في مواضع مختلفة يحاولون تبرير المقتلة، فيقولون إنها حدثت فيما بعد، بعد وقعة الخندق. والسبب هو أن «سلام بن أبي الحقيق» كان أحد الذين حزبوا الأحزاب ضد دولة الرسول وهو ما يناقض ما جاء في شعر «حسان بن ثابت»، عندما جمع بين مقتل «كعب بن الأشرف» ومقتل «أبي رافع سلام بن أبي الحقيق» في قصيدته التي تستعرض قوة السيف الإسلامي. ومعلوم أن «ابن الأشرف» قد تم قتله بعد أحد مباشرة لقولته التي قالها. هذا بينما نعلم من «ابن سيد الناس» في مغازيه «عيون الأثر»، أن «أبا رافع سلام بن أبي الحقيق» قد قتل بعد أحد، وتم تسييد سيد بعده على خيبر هو «أسير بن رزام»، وذلك في قوله: «لما قتل أبو رافع سلام بن أبي الحقيق، أمرت يهود عليهم أسير بن رزام ، فسار في غطفان وغيرهم فجمعهم لرسول الله.» ومن ثم فإن من حزب الأحزاب هنا هو «أسير بن رزام» وليس «أبا رافع»، لأن أبا رافع كان قد قتل بعد أحد، وقد تم الخلط بعد ذلك بين كليهما. إذ إن «أسير بن رزام» هو الذي قتل بعد تحزيبه الأحزاب في سرية إسلامية أخرى، سرت إليه لتقتله بعد غزوة الأحزاب أو الخندق كما سنرى.
21
بل إنه في رواية ابن هشام ما يؤكد قتل «أبي رافع» بعد أحد مباشرة، في قوله السالف «وكانت الأوس قبل أحد قد قتلت كعب بن الأشرف، فاستأذن الخزرج رسول الله في قتل سلام بن أبي الحقيق.»
ثم انطلق سيف الإسلام داخل يثرب يعمل لإسكات أي لون من ألوان الاستهانة بالدولة، وهي الاستهانة والمعارضة التي يمكن أن تشكل كارثة لدولة عسكرية في زمن حرب. وهو ما نقرؤه في قصة اغتيال «أبي عفك/عمرو بن عوف»، ذلك الشيخ الذي تخطى بعمره من الزمان قرنا، فلم تبق لديه قوى تمكنه من إمساك دمعه واستمرار تجلده، وهو يرى مسلما آخر هو «الحارث بن سويد بن الصامت»، وهو يذبح بباب المسجد النبوي وهو ابن «سويد بن الصامت» الذي عرف بين العرب بالحكمة، وبأنه صاحب صحيفة لقمان التي وافق عليها الوحي القرآني. فانهمر دمع «أبي عفك» مرسلا شعره نحيبا باكيا «الحارث» ابن صاحب صحيفة لقمان. ورجل في عمر «أبي عفك» إن أرسل نواحه في الفيافي بين العربان، الذين يقدسون المسنين، ويعبدون الأسلاف ويحنون الهامة للمعمرين، لا يتركها إلا بقلوب كليمة موجوعة جزعة، وهو الشعر الباكي الذي جاءنا خبر منه في رواية ابن إسحق عن «غزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف، ثم بني عبيدة، وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
الحارث بن سويد بن الصامت.» وإشارة ابن إسحق لنفاق الرجل تشير إلى أنه كان حتى قوله ذلك الشعر مسلما، وما نافق إلا بتلك البكائية التي تقول في طرف منها:
Unknown page