151

Hurub Dawlat Rasul

حروب دولة الرسول (الجزء الأول)

Genres

لو كان نبيا ما قتل، فارجعوا إلى دينكم الأول.

11

وهكذا كان الفرز، وهكذا جاءت أحد لتفصح بوقعتها عما بذات الصدور. وتحدد مواقف، وتصنف الأتباع تصنيفا كامل التحديد والوضوح. لأنه مقابل كل تلك المواقف المتخاذلة والمؤسفة، كانت هناك مواقف أخرى وإن كانت قليلة نادرة ضعيفة، لكنها دخلت الفرز وبرزت كمواقف مبدئية صارمة لا تقبل المساومة. فهذا «أنس بن النضر» ينادي «عمر بن الخطاب» و«علي بن أبي طالب» و«أبا بكر» وصحبهم من أصحاب الصخرة ويقول:

يا قوم؛ إن كان محمد قد قتل، فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد، اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، ثم شد بسيفه يقاتل، حتى قتل.

12

وهكذا، وبينما المهاجرون في فزعهم، والأنصار يقتلون الواحد بعد الآخر دون رسول الله وهو يصعد الشعب، وبينما المهاجرون يفكرون في اللحاق بقومهم، فإن «رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط في دمه، فقال له: يا فلان، أشعرت أن محمدا قد قتل؟ فقال الأنصاري: إن كان محمد قد قتل، فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم.»

13

ثم ذلك الأنصاري المبارز الفارس، «أبو دجانة/سماك بن خرشة»، الذي ترس عن الرسول يتلقى عنه النبل، وظل محاربا يخوض معه المواقع بعدها بذات البطولة. «وقزمان» الأنصاري، الذي أبلى في أحد بلاء يعادل في ميزان القتال جيش المسلمين جميعا، فنزل الحومة لا يكل ولا يهرب ولا يتراجع، يتخطف سيفه رءوس المشركين رأسا في إثر رأس، ويصول حتى ينغرس في عمق ثلاثة آلاف مقاتل دون خطوة واحدة للوراء، حتى أعمق بينهم، وحتى عددت له كتب السير عشرة قتلى، من بين اثنين وعشرين قتيلا مكيا هم كل من قتل المسلمون من قريش في أحد، وبينما يعدد «ابن هشام» أسماء المقتولين من قريش، وقاتليهم من المسلمين، نقتطع ما يخص «قزمان» وحده، حيث يقول ابن هشام: ... وكلاب بن طلحة، والحارث بن طلحة، قتلهما قزمان ... وأبو يزيد ابن عمير ... قتله قزمان ، وصؤاب غلام له حبشي قتله قزمان ... والقاسط بن شريح ... قتله قزمان ... وهشام بن أبي أمية بن المغيرة قتله قزمان، والوليد بن العاص بن هشام بن المغيرة، قتله قزمان ... وعبيدة بن جابر وشيبة بن مالك بن المضرب، قتلهما قزمان، ... قال ابن إسحق: فجميع من قتل الله تبارك وتعالى من المشركين يوم أحد، اثنان وعشرون رجلا.

14

ومع ذلك تصر كتبنا التراثية على وصم قزمان بأنه كان منافقا، وأنه من أهل النار، وأن الله قد ينصر دينه على الكافر بالفاجر (؟!)، حتى إن تلك الكتب قدمت روايات تستجهل «قزمان»، وتتجاهل معرفته من بين صحبه وآله من الأنصار، ومن تلك الروايات:

Unknown page