Hurriyya Insaniyya Wa Cilm
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
لا بد قبلا من وضع الحدود، أجل نروم الإجابة عن السؤال الأزلي الأبدي: هل الإنسان حر؟ ولكن سوف ندخل من أي مدخل؟ وننظر من أي منظور؟ ... وعلى أية أرضية؟ وبأية خلفية؟
بعبارة أخرى لمن سيوجه الفيلسوف هذا السؤال؟ لفقه الدين، أم للفكر الميتافيزيقي، أم للعقل العلمي، أم لرجل السياسة والاقتصاد، أم للقانوني، أم للمنظر الاجتماعي، أم للمربي ... إلخ.
كل هذه وغيرها زوايا مشروعة، بل مفروضة لتناول مشكلة الحرية الإنسانية، وهي في مجملها قد تعالج مجمل الحرية الإنسانية، ولكنها زوايا متضاربة، كائنة في مستويات عدة للتفكير، ونحن نروم - في الحيز المحدود بهذا الكتاب - رحلة فلسفية واضحة المعالم محددة الخطوات، بمنجاة من التيه والتخبط، لا بد من رسم مسار معلوم، نقطة بدء محددة وغاية واضحة. •••
من أجل هذا، سوف نطرح سؤالنا: هل الإنسان حر؟ على العقل العلمي دون سواه، فكيف؟ ولماذا؟ بل وما معنى هذا؟
قبل أن نجيب عن هذه الأسئلة، نلاحظ أننا سواء أخذنا في الاعتبار الطبائع المميزة للفكر المعاصر دون سواه من مراحل الفكر البشري، أو أخذنا في الاعتبار ميراث مشكلة الحرية بصورتها الجذرية - أي الفلسفية الأصيلة، وطبيعتها وماهيتها والمواقع التي استثارتها في تاريخ الفلسفة - سواء أخذنا هذا أو ذاك في الاعتبار، وجدنا أن العوامل العديدة تملي علينا الأخذ بالعقل العلمي ليجيب عن هذا السؤال، كمقدمة مشروعة لكل تناول فلسفي لمشكلة الحرية رام أن يكون معاصرا حقا.
فقد ذكرنا ضمنا أننا سنبحث في الحرية من حيث هي مشكلة فلسفية أصيلة، أي مشكلة جذرية، فليس المقصود حرية الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك، أو هذا الوضع أو ذاك ... لسنا ننشغل الآن بالحرية السياسية دونا عن الاقتصادية، أو حرية الصحافة، أو الحرية الشخصية، أو حرية التصرف في الأموال، أو حرية الفنان ... إلخ.
كل هذه وغيرها حريات جزئية عينية بعدية، والمشكلة الفلسفية الحقيقية هي التي تقف على أبعد الأبعاد البعيدة، وأعمق الجذور التأصيلية، فما هو البعد الجذري التأصيلي لحرية الإنسان، والذي ينبغي أن يكون موضوعا لمشكلة فلسفية حقا؟
الإجابة واضحة، ألا وهي: حرية الإنسان بوصفه موجودا في هذا الوجود، في هذا الكون، قبل أن يكون موجودا في هذا المجتمع أو تلك الجماعة؛ لذلك يمكن أن نسميها «الحرية الأنطولوجية»؛ لأن الأنطولوجيا هي فلسفة الوجود من حيث هو موجود، الوجود ككل.
ولا شك أن الإنسان تاج الخليقة وبطل الرواية الكونية، وأن الله سبحانه وتعالى قد اختصه بالعقل الذي جعله موجودا متفردا ومتميزا عن سائر الموجودات، ولكنه أولا وقبل كل شيء أحد ظواهر هذا الكون، وكائن من كائناته، فيه يمارس أفعاله وأنشطته واختياراته، وطبعا أفعاله التي نريد أن نعرف هل هي حرة أم لا، هي أحداث من جماع الأحداث الكونية، التي تشكل في مجملها الصورة العامة لهذا الوجود.
ولكن، أوليس هذا الكون بكل ما فيه من طبيعة ومن حياة ومن بشر، خاضعا لنظام معين تحكمه قوانين ، فهو لا يجري خبط عشواء، وليس خليطا من أحداث في فوضى وعماء، بل هو «كوزموس
Unknown page