Hurriyya Insaniyya Wa Cilm
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
فنقول مثلا إن طبيعة الرماد أن يكون مرنا، ومن طبيعة البلوط أن يكون صلدا، كلمة الطبيعة هنا تشير إلى شيء ما يجعل مالكه يتصرف حسبما يتصرف، وهذا المصدر لسلوكه يكون شيئا داخل نفسه، وإذا كان خارجها فإن السلوك الناجم عنه ليس طبيعيا، بل يعود إلى القسر، فإذا سار إنسان سريعا لأنه قوي، وذو طاقة يكون المشي السريع طبيعيا بالنسبة له، أما إذا مشى سريعا لأن كلبا يطارده فإن المشي السريع لا يعود إلى طبيعته بل إلى القسر الإجباري.
17
من هذا الالتقاء بين سيمانطيقية لغات شتى، نستخلص أن القسر والجبر تشويه لطبيعة الإنسان، وبالتالي فإن الحتمية على جملتها تشويه لطبيعة الإنسان، إذن التحليل اللغوي يجعلنا نهدأ بالا أكثر وأكثر بمبدأ اللاحتمية الذي رأينا العلم المعاصر يلوذ به.
ولكن لنلاحظ أننا كنا ندور حول الصفة حر دون المصدر حرية؛ ذلك أن المشكلة التي تصادفنا في العربية هي أن الصفة «حر» أصل ثابت، أما المصدر «حرية» فمحاق بكثير من الغموض، إنه كمعظم المصادر ليس واردا في أمهات المعاجم اللغوية، ولا في القرآن الكريم. بعض الباحثين يرجحون أن المتصوفة هم الذين اشتقوا المصدر حرية، غير أن تاريخ المصدر ليس واضحا على الإطلاق، وما زال الدليل ينقصنا حول ما إذا كان شائعا في استعمال عرب ما قبل الإسلام «خصوصا وأن كلمة الحرية ككل الصيغ المجردة التي تنتهي بياء النسبية لم تكن شاعرية؛ لذلك تجنب الشعراء استعمالها»،
18
وهذا قد يرجح الرأي القائل إن الكلمة غير مشتقة من الجذر «ح ر ر»، ومما يؤيد هذا الترجيح وجود جذر مماثل «ح ر ر» يعني كون الشيء حارا. وقد حاول بعض المفكرين القدامى والمعاصرين الربط بين «حر» والجذر الذي يعني السخونة ولكن هذه المحاولات غير مقنعة.
19
وقصارى ما نستطيعه بصدد اللفظ «حرية» أنه ربما يكون قد استعمل منذ فترة مبكرة للتعبير عن المصطلح القانوني المقابل للرق، وليس مستبعدا أن تكون الكلمة قد استخدمت على نطاق واسع عندما اتصل المسلمون بالتفكير الفلسفي لعالم البحر المتوسط الذي كان قد عرف النقاش حول الحرية لقرون طويلة خلت،
20
على أن أقدم تعريفات الحرية في الشرق الإسلامي لم تصدر عن دوائر إسلامية ولم يعبر عنها باللغة العربية، إنها ترد في الأعمال السريانية حول التعريفات المنسوبة إلى ميخائيل أوبازود، وقد وضعت حوالي عام 800م، وعندما نتبع تعريف الإرادة في كل هذه المجموعة نجد ما يلي: «الحرية هي القوة غير المحدودة للطبائع العاقلة التي تتعلق بالحواس والإدراك العقلي.» وهذا التعريف يمثل نتائج المناقشات اللاهوتية التي دارت حول «حرية» في أوساط الكنيسة الشرقية، ولقرون طويلة خلت كان المفكرون الدينيون الشرقيون يواجهون هذه المشكلة التي اعتبروها بحق حجر الزاوية للإنسان الأخلاقي.
Unknown page