Hurriyya Insaniyya Wa Cilm
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
126
ولكن أين يمكن أن نجد مثل هذه الأفعال؟ يجيب الحريون: إنها تقع في المستقبل، فقد ميزوا بين «يمكن» على وجه العموم وبصورة أنطولوجية، وبين «يمكن أن يفعل» بصورة عينية على وجه الخصوص، التي تخص الفاعل المعين في الموقف المعين، هذه تعني «يستطيع»، وتحليل يستطيع هو بالضبط تبيان لكل عمله الذي لم ينجز بعد،
127
أي القائم في المستقبل؛ وعلى هذا نجد أن النطاق الملائم للفعل الحر والإرادة لا يطابق بحال أي شيء في العالم الفيزيقي، إنه فقط يؤثر عليه.
لذلك فالعالم بخصائصه العلية، مهما كان حتميا هو بالنسبة لنصير هذا المذهب ملائم تماما لتأكيد أنه لا شيء في هذا العالم يحتم تماما الغايات النهائية والمواضيع والمثل التي يعمد الفاعل الحر - إذا ما كان حقيقة حرا - إلى تغييرها في العالم.
128
وهذه حجة واهية، فالحتمية المهيمنة على كل ما يحدث داخل الإطار الفيزيقي هي كل لا يعرف نسبية ولا أجزاء، وليست فقط منطبقة على ما هو كائن، بل هي أساسا تحتم لزوم ما سيكون عنه، أي تحتم المستقبل بصورة كاملة كوليد شرعي للماضي؛ لذلك، فمثل هذا التذرع بالمستقبل لإجراء ذلك التغيير الإرادي وتحقيق تلك الغايات الحرة، لا يعدو أن يكون قصورا في الرمال، بل في الهواء، ولكن هل يفلت حتى الهواء من بين فروج أصابع الحتمية؟!
هكذا نتبين أن مأساة المذهب هي ذاتها مأساة أو معضل الحرية في العالم الحتمي، خصوصا البعد الأخلاقي للمعضل، وكانت مجمل مناقشات أقطابه محاولات يائسة لمهادنة الحتمية على العموم والحتمية العلمية على الخصوص، والتملص من بعض نيرها،
129
بعبارة أخرى سبب ضعف المذهب وعجزه عن الاعتراف القوي الواثق بالحرية هو في جوهره وخلاصته وعماده، أن المذهب في حاجة شرطية لزومية إلى اللاحتمية، ولكن من أين يأتي بها؟ لا مجال لهذا التساؤل الآن بعد أن أهدانا العلم المعاصر لاحتمية مكينة.
Unknown page