Hurriyya Insaniyya Wa Cilm
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genres
فيحل المشكلة في التراجيديا الإغريقية، ومعنى هذا أن أبيقور حاول أن يتخلص من الحتمية العلمية فأتانا بجبرية دينية!
فهل هذا صحيح؟ وهل حقا أن انحراف الذرات وافتراض اللاحتمية مبدأ أقحمه أبيقور إقحاما؟ إن الإجابة عن هذا بالنفي، فلو عاودنا مراجعة الصفحات السابقة لوجدنا الانحراف الذري في صلب نظرية أبيقور الفيزيقية، وفي الآن نفسه صلب حله لمعضل الحرية، بحيث إنهما يدوران معا وجودا وعدما، فكيف يكون مقحما؟ وكما يقول سيريل بيلي: «أبدا لم يعتبر أبيقور مبدأ الانحراف الذري نقطة ضعف، بل اعتبره ذا أهمية أساسية في مذهبه، وليس في الأمر أي جبرية أو ما يشبه إله الآلة؛ إذ يقول الفيلسوف الفرنسي جان ماري جويو
Jeau Marit Guyau (1854-1888) إن ذلك الانحراف الذري في الطبيعة اللاعضوية - والذي هو المصادفة والعرضية - يهتك الضرورة الحتمية الصارمة في العالم الحي واللاحي على السواء، وبغير أن يعاود تقديم عنصر المعجزة الذي كان هم أبيقور الأول إبعاده؛ لأن المعجزة تتضمن فعل قوى خارجية تعوق القوانين الطبيعية وتغيرها.
31
فضلا عن هذا يجب أن ننتبه إلى طبيعة العلة وطبيعة المصادفة عند أبيقور، فصحيح أنه مثل ديمقريطس يجعل مبدأ العلية والدوام
نقطة البداية، فلا شيء يخلق من العدم أو من اللاشيء، ولكنه خلافا لديمقريطس - ولننتبه إلى هذا - لا يجعل افتراض العلية في سلطة المركز الذي يدعم بقية الفروض، بل يدعمه بحجة، ها هنا نعالج المدرك والقابل للإدراك على حد سواء، فالمشكلة كلية ولا يمكن أن تعالج مباشرة بالحواس ولكن علينا أن نسأل ما إذا كانت الحواس تعطينا أية شارة لتدعيم مبدأ العلية أم أنها تناقضه. ويجد أبيقور هذه الإشارة في النشأة المنظمة للأشياء في العالم المدرك، فلا شيء يخلق من العدم؛ لأنه إذا أمكن هذا لأمكن أن يخلق كل شيء بغير احتياج للبذور،
32
أي للذرات، ومن شأن هذا أن يهدم مادية أبيقور الصارمة، على هذا نلاحظ أن العلية تزحزحت كثيرا عن هيلمانها الديموقراطي.
أما عن المصادفة، فقد اعتبرها أبيقور مجرد علة غير معينة تحكم فقط أشياء معينة في العالم، وهي أشياء مشتتة ومتباعدة عن بعضها،
33
Unknown page