لم يطلب العمل ليعلو مكانه والجاه، ولكن ليتحمل مسئولية ما أشار به وأبداه، وليؤدي الواجب فيما سيتولاه، بعلم وحكمة وأمانة كما علمه الله.
نعم إنه لم يطلب المهمة إلا لأنه مؤهل لها ولا يقدر عليها سواه. وهكذا نسمعه يقدم نفسه معتزا بما آتاه الله:
(قال اجعلني على خزائن الآرض إني حفيظ عليم) [يوسف:55].
هل تظنون هذا الطلب كان كالمكافأة على تعبير الرؤيا الملكية؟ هل تظنونه هو المواساة لما عاناه في السجن بلا ذنب ولا خطيئة؟
كلا؛ ليس هذا، بل هو الحكمة والعلم والأمانة الربانية، وهكذا أصبح يوسف رئيسا للوزراء في مصر يتصرف في الغلال ويصون المال، كما رسمه للناس بلا تفريط ولا اختلال، ولكن بعدل وحزم وكمال، كما علمه ذو الجلال.
(وكذلك مكنا ليوسف في الآرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين) [يوسف:56].
وهل الدنيا هي المبتغى وهل هي الهدف للعلماء أولي التقوى؟
كلا؛ إنما أعمالهم في الدنيا هي السلم والمعراج للدرجات العليا في جنات المأوى.
(ولاجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون) [يوسف:57].
وبعد فإني أصل بكم إلى نتيجة هامة هي أن صفات المحسنين والذين آمنوا وكانوا يتقون التي وصف الله بها يوسف بالإضافة إلى ما سبقها من صفات العلم والحكمة عبر هذا والاستعراض السريع للآيات.
Unknown page