160

Huna Quran

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Genres

(رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الآحاديث فاطر السماوات والآرض أنت ولي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين)

هل تظنون أن كلمة الملك هنا تعني كونه أمينا على خزائن الأرض وكونه متمكنا منها؟

هذا هو الفهم العرفي وهو الفهم السطحي الذي لا يتفق مع جلال عطاء الله ومع عظمة ما أوتيه آل إبراهيم من ملك الله أي من علمه العظيم.

إن المراد هنا وبلا شك هو العلم، فهو يعترف بالعلم الذي أوتيه ويعلن أن كل فضل هو فيه وكلما يراه أمامه من خير يشمله مع أبويه وإخوته إنما هو بالعلم والإيمان والصبر والإحسان وخشية الله والإذعان والتوكل عليه في كل حال وآن، وتلك صفات العلماء لدى الرحمن، (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر:28].

إن يوسف الصديق الذي صبر على السجن موقنا بربه متوكلا عليه داعيا إليه والذي رفض الإغراء والإغواء في قصر امرأة العزيز مستعيذا بربه القوي العزيز.

إن هذا الصديق لا يمكن أن يفخر بالمتاع الدنيوي والسلطان، إن هذا الصديق العليم لا يمكن أن يفخر بالسلطة، ولا أن يعتبر مقاليد الولاية في الأرض مقاما يحرص عليه ويزهو به.

كلا بل حرصه على أن يتوفاه مسلما ويلحقه بالصالحين.

ومن كان هذا حاله، فإنما الملك لديه هو العلم وهذا هو ما يفخر به ويعتز ويستأنس به ويحرص عليه منذ بداية حياته حتى اليوم، فها هو أبوه يقول له بعد أن عرض عليه رؤياه في طفولته أو في بداية فتوته.

(وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الآحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) [يوسف:6].

فالعلم والحكمة ميراث من آبائه له ولكل آل يعقوب معه ولهذا فنعمة الله سابقة عليه كما هي على آبائه وعلى آله معه، ونحن نعرف عن آل إبراهيم في سورة النساء أنهم قد أوتوا ملكا عظيما وها هو الملك العظيم يظهر اليوم على يوسف الصديق من ربه العليم الحكيم لأنه من آل إبراهيم فليس بينه وبين إبراهيم إلا يعقوب وإسحاق فهو الحفيد الأقرب لإبراهيم والوريث الأسبق لهذا الملك العظيم وبهذا العطاء الكريم يبشره أبوه يعقوب الذي يصفه الله بقوله (وإنه لذو علم لما علمناه)

Unknown page