159

Huna Quran

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Genres

وهكذا تعارف الناس على أن الملك هو السلطة والزعامة وأن الملك هو الزعيم والسلطان وأصبحت الكلمة حقيقة فيه فأصبحت الحقيقة العرفية شائعة ومعروفة وتغلبت على الكلمة الأصلية أو بالأصح تغلبت الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية الأصلية، لكن القرآن أعادها إلى الأصل.

وقد وردت كلمات في القرآن في سورة يوسف استخدمت هناك باعتبار الحقيقة العرفية جريا مع عرف الناس ولأن الموضوع يفسر في هذا الاستعمال المتعارف عليه ليتضح البيان، فقد وردت كلمات في السورة بهذا المعنى المتعارف مثل:

(وقال الملك إني أرى سبع بقرات) (وقال الملك ائتوني به) (نفقد صواع الملك) (في دين الملك) وسواها ذلك لأن السياق بغرض استعمالها ولأن هذا هو الإسم الذي يطلق على حاكم مصر في ذلك الزمان كما عليه تعارف الناس قبله وبعده.

لكن الكلمة تعود إلى معناها الأصلي وإلى الحقيقة اللغوية في نهاية السورة حيث قال يوسف: (رب قد آتيتني من الملك)

إذن إنما استعملت كلمة (ملك) بكر اللام جريا مع العرف لكن الله عاد بها إلى أصلها الحقيقي واللغوي وهو العلم لتيضح لكم الفرق بين الأصل والعرف وبين المعنى الحقيقي والمعنى العرفي.

وعلى هذا أقول لكم فهل تظنون أن ما ناله يوسف من التمكين في الأرض والخزائن هو الملك الذي أراده يوسف في قوله (قد آتيتني من الملك) إنما الملك الذي أوتيه يوسف وأراده إنما هو العلم وبه استطاع أن يتمكن في الأرض، وبه تأهل لهذا العمل الهام، ألا تذكروا أن مسيرته مع العلم برر هذا الطلب بقوله (إني حفيظ عليم) فهو العلم الذي أهله للعمل ومكنه في الأرض وبوأه منها حيث يشاء وعلى هذا فالملك هو العلم لا سواه وهو الذي أراده يوسف وبهذا المعنى نفهم قول يوسف عليه السلام في آخر السورة وقد جمعه الله العليم الحكيم بأبويه وإخوته وتحقق له تعبير رؤيا طفولته، فماذا قال؟

لنقرأ معا الآيات:

(ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا وقال ياأبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم) [يوسف:100].

نعم إن ربه هو العليم وأن ربه هو الحكيم.

وفي هذا العلم الرباني والحكمة الإلهية أوتي يوسف وأنعم الله عليه نعمته وعلى آل يعقوب معه فكانوا يعلمون من علم الله ما لا يعلمه الناس وعلى هذا الأساس نجد يوسف وهو في هذه الحال السامية والمشاعر الراقية ونعمة الله عليه متوالية؛ يتجه إلى ربه بنفس خاشعة راضية ويعلن اعترافه بما آتاه ربه من العطايا التي لا تحصى لكنه يحدد أهمها وأبرزها وأساسها لكل خير وهو العلم فيقول في خشوع لربه العليم:

Unknown page