أليس الرسل يدعون إلى عبادة الله الذي خلق الإنسان وفطره ورزقه وله ما في الأرض والسماء سخر، إنه بعبادة الله يسمو ويتحرر، ويكرم ويؤجر، وذنبه يغفر يوم يحشر، وذلك هو المقام العزيز والهدف الأكبر.
(وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون)
كيف لا أعبده وأرجوه وهو الذي أمري بيده وإليه مرجعي ومرجعكم جميعا (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا)
ثم إن عبادتي لله هي التي تحمي وتصون، وتدفع عني كل خوف وحزن في الدنيا والدين وسوى الله فقراء عاجزون، لا يضرون ولا ينفعون، ولا حتى عن أنفسهم للضر يدفعون.
(أأتخذ من دونه آلهة إن يردني الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون)
أليس هذا هو الملموس في كل حين لمن يعقلون؟ إذن فمن عند غير الله فهو في ظلال وهوان، ولهذا يختم القول بقوله: (إني إذا لفي ضلال مبين)
ثم يتبعه بالإعلان الساطع الرائع، يسمعه كل سامع، وليغيض به كل مكذب ممانع فيقول: (إني آمنت بربكم فاسمعون) إنه ربي وربكم فالمفروض أن تؤمنوا مثلي وتسمعوا قولي: وهكذا يحمل الرسالة شجاعا قويا لا يخاف أحدا ولا يخشى مسرفا، فالله ربه سوى، وهو حسبه وكفى.
وهنا يأتي التعقيب على موقف الرجل السوي، وإيمانه القوي، وعقله الثاقب المضيء، فإذا به يفوز بالجنة عند ربه الأكرم، وفي المقام المكرم، فهو عند الله أكرم من القوم أجمعين، وأسمى من كل المسرفين، فهو في الجنة من المكرمين، يتمنى أن ينال ما نال: (ياليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) لكنهم لم يعلموا لأنهم أسرفوا فتلقوا (إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون) لقد أحبوا الدنيا فما بقيت لهم ولا بقوا لها وأحب هو الأخرى فبقيت له وبقي لها خالدا مكرما ناعما منعما وهكذا يكون مقام من حملوا الرسالات وبلغوا ما أنزل الله من الآيات.
وهكذا يفوز الصادقون الذين يواصلون ما بلغه المرسلون، وهكذا يكرم الشاكرون الذين على أعقابهم لا ينقلبون، فإذا مات الرسل فهم صامدون صابرون مصابرون وإذا فرغ الرسل من مهمتهم استمروا مسلمين وعلى طريق الحق ثابتين مرابطين (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين)
إنه مثل ضربه الله للمكذبين وللمؤمنين بالرسل، ألم يقل في أول السورة(إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم)
Unknown page