104

Huna Quran

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Genres

نعم إذا كان هذا هو شأن الرحمن فإنه لا سواه هو الذي علم القرآن [فالقرآن يعني اقتران كل خلقه ببعض وتزاحمها في السماء والأرض وتعدد مهماتها والأغراض ولكنها مع هذا التعدد والتكاثر والاقتران والتوافر والاختلاط والتزاحم والتوسع والتداخل والتباعد والتقارب، إنها رغم هذا ومع هذا متناغمة متعاونة متزنة ملتزمة بما قدر لها وحكم الرحمن متجاوبة مع بعضها في أداء مهماتها التي خلقت لها وهيأها له الرحمن فلا يطغى بعضها على بعض ولا يخل بعضها بعمل بعض بل كلها رغم تفاوت المهمات والأغراض تسير إلى غرض عام وهدف هام هو إقامة الحياة على نظام وانسجام فالله الرحمن خلق كل شيء بالحق، وعلم هذا الخلق علمه القرآن، أي علمه أن يقترن بسواه بنظام وباحتكام لأمر الرحمن فكل شيء يسجد وكل شيء يسبح وكل في فلك يسبحون.

ولكي ندرك هذا التقارن والانسجام، ولكي نفهم هذا التوسع والاحتكام وهذا التعدد والالتزام، ولكي يتضح لك هذا التقدير الذي حكم به الرحمن كل خلقه ووضع له الميزان. لكي تدرك ذلك اقرأ في سورة الرحمن قبل سواها هذا المعنى واضحا كامل البيان (خلق الإنسان * علمه البيان * الشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر يسجدان * والسماء رفعها ووضع الميزان) [الآيات: من 3إلى 7].

إن هذه الآيات هي بيان لقوله (الرحمن * علم القرآن) هذا هو معناها وهذا هو الاقتران المنظم فهو بحسبان وميزان بدون فوضى ولا طغيان، وأكبر شيء وأصغره وأعلاه وأسفله يسجد للرحمن، محكوم بقدرته والسلطان ، ملتزم بأمره وتقديره في كل آن ومكان. ثم (والأرض وضعها للأنام) وكم في الأرض من مخلوقات متعددة الألوان والأحجام، متفرعة المواد والأجسام، مختلفة الأغراض والمهام، ولكنها كلها متعاونة على الهدف العام مسخرة له بانسجام وهو الذي قدره الرحمن لصلاح الحياة على الأرض ولهذا فالأرض (فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام * والحب ذو العصف والريحان)، [الرحمن، الآيات:11و12].

إنها آلاؤه تدل على القوة والقدرة والحكمة والرحمة والسلطة والهيمنة وكلها تسير مقترنة إلى مهمة واحدة رغم تعدد النوع والشكل واللون والحجم. أليس هذا من آلاء الرحمن الذي علم القرآن (فبأي آلاء ربكما تكذبان) [الرحمن:13].ثم لنقرأ ما يدل على ذلك بشكل أوضح وفي نفس السورة (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) [الرحمن: 19و20].أليس هذا من آلاء الرحمن الذي (علم القرآن) تأملوا معي دلالة الاقتران، فالبحران مقترنان للعيان، متلازمان متجاوران، مختلطان لكنهما لا يبغيان، بل مع ذلك ورغم ذلك الاقتران، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) [الرحمن:20] إنها آلاء تدل على الهيمنة والحكمة والسلطة والرحمة.

والخلاصة أن السورة كلها تؤكد معنى (علم القرآن) فتأملها يا أخي وسيتضح لك المعنى بجلاء وبيان.

ثم تعال معي إلى سواها من السور، واقرأ في سورة النساء: (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) [33].ولتقرأ في سورة يس (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون * وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم. ومع كل هذا الاقتران والتقابل والتداخل (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) نعم هكذا هو الملموس وهذا هو الواقع المحسوس (وكل في فلك يسبحون) [يس: الآيات من35-40].

ثم اقرأ في سورة الرعد: (الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون).

هذا في السماء، فانزل إلى الأرض تجد الاقتران واضحا منظما متعددا منسجما وتجده متنوعا وله هدف أسمى، واقرأ معي: (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار) ألا تلاحظ الاقتران، ألا تشاهده، ولهذا يختم الآية بقوله: (إن في ذلك لايات لقوم يتفكرون) فتفكر لتجد أن (الرحمن * علم القرآن)

ثم استزد من مظاهر الاقتران العجيبة المنظمة واقرأ(وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الإكل) إنه الاقتران والقرآن بأجلى صوره وأبسطها وأوضحها، ولهذا يختم الآية بقوله: (إن في ذلك لايات لقوم يعقلون) [الرعد، الآيات: 2و3و4].

ثم لتقرأ في سورة الفرقان قوله: (ألم ترى إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا * ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) [الآيات:45و46].

Unknown page