وهو لا يخرج عما عناه الزمخشري إلا أنه أضاف شيئا آخر هو أن القرآن هو [الترجمة الصادقة الكاملة لنواميس هذا الوجود]، وهو يكاد يقترب مما نريد هنا إلا أنه عاد من جديد إلى ما عناه الزمخشري من قبله.
أما [ابن كثير] فقال: [يخبر تعالى عن فضله ورحمته بخلقه أنه أنزل على عباده القرآن ويسر حفظه وفهمه على من رحمه فقال تعالى: (الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان) قال الحسن: يعني النطق وقال الضحاك: يعني الخير والشر [ثم رجح قول الحسن] فقال: وقول الحسن هاهنا أحسن وأقوى لأن السياق في تعليمه تعالى القرآن وهو أداء تلاوته وإنما يكون ذلك بتيسير النطق على الخلق وتسهيل خروج الحروف من مواضعها على اختلاف مخارجها وأنواعها، انتهى.
وهكذا يتجلى لنا أن أبرز المفسرين الأولين والمتأخرين قد وجهوا كلمة القرآن هنا إلى معناها الاصطلاحي ولم ينتبهوا إلى أنها مستعملة في معناها اللغوي الأصلي.
وعلى أي حال فهم قد عملوا جهدهم في تبرير تقديم (علم القرآن) على (خلق الإنسان) في الآيات. ولكنها مبررات لا تتفق مع المنطق ولا مع جلال الله وحكمته ولا مع سياق الآيات وترتيبها البياني. قد تسألون في ضيق ونفاد صبر فتقولون: لقد أطلت الكلام وتطاولت على الكبار الأعلام ، فماذا لديك من التفسير للكلمة أيها الهمام؟ وماذا تريد أن تحملها من المعاني؟ وأين تريد أن تذهب بها؟ لكني أدعوكم على مهل إلى المعنى الأشمل وأرجوكم التأني معي والإمعان لنصل معا إلى المعنى الأهم والأعم المتفق مع سياق الآيات وبيان الكلام.
أيها الأعزاء: إن كلمة القرآن كلمة تطلق ويراد بها هذه الكلمات والألفاظ المكونة لنص الكتاب الكريم الموحى على محمد الخاتم الأمين. هذا هو المصطلح وهو المراد بها في كل آيات القرآن. إلا في سورة الرحمن فإن معناها أعم وأشمل. إنها تعني الاقتران بين الأشياء والتقارن بين المخلوقات في الأجرام والمواقع والمهمات ولهذا أطلقت فقال تعالى: (علم القرآن).
فالألف واللام هنا للجنس أي علم كل شيء وكل مخلوق القرآن أي جنس الاقتران والتقارن فيما بينها بدون خلل ولا طغيان ولكنه اقتران بنظام واتزان. ولكي يتضح لكم المعنى بشكل أعمق وأنصع؛ تعالوا نتدبر الآيات ونتفهم معنى الكلمات من البداية فالسورة تبدأ بكلمة الرحمن.
فماذا تعني هذه الكلمة:
لا مانع أن تستعير هنا بدايات تفسير سيد قطب لهذه الكلمة فقد قال: (الرحمن) بهذا الرنين الذي تتجاوب أصدائه الطليقة المدوية في أرجاء هذا الكون وفي جنبات هذا الوجود.
(الرحمن) بهذا الإيقاع الصاعد الذاهب إلى بعيد يجلجل في طبقات الوجود إلى أن يقول (الرحمن) ويسكت وينتهي ويصمت الوجود كله وينصت في ارتقاب الخبر العظيم بعد المطلع العظيم ثم يجيء الخبر المرتقب الذي يخفق له ضمير الوجود (علم القرآن) هكذا قال سيد قطب بعد كلمة الرحمن ونحن نقول معه: نعم، إنه رنين وإيقاع مدوي ومجلجل، ولكن لماذا؟
لم يوضح لماذا ولم يدرك ماذا تعني كلمة الرحمن!.
Unknown page