101

Huna Quran

هنا القرآن - بحوث للعلامة اسماعيل الكبسي

Genres

إذن فمن هو المعني بالتعليم في (علم القرآن)؟

أنظروا الفعل (علم) جاء مطلقا لم يذكر فيه المفعول الأول مع أنه يتعدى إلى مفعولين فأين المفعول الأول؟ لو قدرنا المفعول هو الإنسان سنقول الرحمن علم الإنسان القرآن خلق الإنسان علمه البيان. هل هذا الترتيب صحيح؟ هل هو يتفق مع فصاحة القرآن وإعجازه وإيجازه. كيف يعلم الله شيئا قبل خلقه؟ فلماذا أضاف علمه البيان؟ أليس القرآن هو البيان؟ فلماذا التكرار !! مع أنه كان يمكن أن يقول:

الرحمن خلق الإنسان علمه القرآن وعلمه البيان.

فلماذا أفرد القرآن وحده وبدأ به فقال: (علم القرآن) ثم قال: (خلق الإنسان)؟ لا بد أن هناك سرا عظيما، وأن هناك معنى لكلمة القرآن لا تعني هذا الكلام المقروء وإنما تعني معنى أعم وأشمل تدل عليه الكلمة في الأصل اللغوي.

وهنا أنبه إلى قضية هامة هي أن القرآن قد يستعمل كثيرا من الكلمات يريد بها أصلها اللغوي لا معناها الاصطلاحي. وعليه: فلقد اصطلح على أن كلمة قرآن تدل على هذا الكلام المقروء المحتوي عليه المصحف. لكن الكلمة هنا استعملت أصلها اللغوي العام. لكن المفسرين كلهم لم يحاولوا أن يفهموا هذا المعنى العام. وإنما جعلوا الكلمة تدل على هذا القرآن المقروء بين أيدينا وإنه لوهم لا يتفق مع سياق الآيات ولا نوافق عليه، ولا ينسجم مع الترتيب الذي بنيت عليه الآيات. ولهم عذرهم فقد غاب عنهم أن القرآن كثيرا ما يستعمل الكلمات في معناها الأصلي لا الاصطلاحي، وهذا بحث سنفرد له بابا خاصا بإذن الله.

وعلى أي حال فلنقرأ ما قاله الزمخشري شيخ المفسرين في هذا الموضوع في تفسير سورة الرحمن.

عدد الله عز وعلا آلائه فأراد أن يقدم أول شيء ما هو أسبق قد قاس ضروب آلائه وأصناف نعمائه وهي نعمة الدين فقدم من نعمة الدين ما هو أعلا مراتبها وأخص مراقيها وهو إنعامه (بالقرآن) وتنزيله وتعليمه لأنه أعظم وحي الله رتبة وأعلاه منزلة وأحسنه في أبواب الدين أثرا وهو سنام الكتب السماوية ومصداقها ؟؟ عليها)، ثم قال:

(وأخر ذكر خلق الإنسان عن ذكره ثم أتبعه إياه ليعلم أنه إنما خلقه للدين وليحيط علما بوحيه وكتبه وما خلق الإنسان من أجله وكأن الغرض من إنشائه كان مقدما عليه وسابقا له)، انتهى كلام الزمخشري وهو محاولة لتبرير تقديم الآية على خلق الإنسان لكنها محاولة غير مدركة للحقيقة الكبرى والأهم التي سنوضحها لاحقا لكنا قبل ذلك نعرج على تفسير سيد قطب في [ظلال القرآن] لنقرأ ما قال، لقد قال ضمن التعريف بالسورة كما هي عادته مع كل سورة ما نصه:

[ويبدأ معرض الآلاء بتعليم القرآن بوصفه المنة الكبرى على الإنسان فسبق في الذكر خلق الإنسان ذاته وتعليمه البيان] هكذا قال، وهي لمحة صغيرة بسطها في تفسير الآيات فقال بعد أن أورد نص الآيات الأولى من السورة:

[هذا هو المقطع الأول في بيان آلاء الرحمن وهذا هو الخبر الأول بعد ذلك الإعلان، [علم القرآن] هذه النعمة الكبرى التي تتجلى فيها رحمة الرحمن بالإنسان [القرآن] الترجمة الصادقة الكاملة لنواميس هذا الوجود ومنهج السماء للأرض الذي يصل أهلها بناموس الوجود ويقيم عقيدتهم وتصوراتهم وموازينهم وقيمهم ونظمهم على الأساس الثابت الذي يقوم عليه الوجود فيمنحهم اليسر والطمأنينة والتفاهم والتجاوب مع الناموس) إلى أن يقول بعد كلام طويل لا يخرج عما نقلناه هنا: [ومن ثم قدم تعليم القرآن على خلق الإنسان فيه يتحقق في هذا الكائن معنى الإنسان] انتهى كلام السيد قطب.

Unknown page