volumina «فوليومينا» (أي «الأشياء الملفوفة»)، ومنها كلمة
volume (مجلد) التي نعرفها الآن. في اللغة اليونانية كانت الكلمة المرادفة للبردي هي
byblos ، وهو اسم ذلك الميناء (واسمه بالعربية جبيل) في الشرق الأدنى في فينيقية والذي كان يأتي منه، أو من مكان قريب منه، ورق البردي الذي أتاح وجود قصائد هوميروس.
اعتقد البعض أن كل كتاب من «الكتب» الأربعة والعشرين المكونة لكل من «الإلياذة» و«الأوديسة» يمثل المقدار الذي يصلح لأن يوضع بصورة مناسبة على لفيفة، بيد أن اللفائف كانت أطول بكثير وتستوعب «كتابين» أو ثلاثة بسهولة؛ وكثير من اكتشافاتنا من البرديات التي تحوي ملحمتي هوميروس كان عبارة عن لفائف احتوت على كتب عديدة. أما أصول تقسيم الملحمتين إلى أربعة وعشرين كتابا لكل ملحمة منهما فهي غير جلية، ولكن لعل المختصين بالمكتبات ابتغوا الإشارة إلى أن هذه القصائد الكلاسيكية اشتملت على المعرفة البشرية من الألف إلى الياء؛ أو أن الكتب شكلت تقسيمات مساعدة يمكن حفظ كل منها في الذاكرة كوحدة واحدة (ومع ذلك يظل التساؤل قائما: لماذا التقسيم على أساس كتاب واحد لكل حرف من الأبجدية؟) أو أن التقسيم يسر الفهرسة في الموزيون، وتعني باللغة اليونانية القديمة «المعبد المكرس للميوزات (ربات الإلهام)»، في الإسكندرية في القرن الثالث قبل الميلاد (ولكن لماذا الأربعة والعشرون حرفا بأكملها؟) وتوجد دلائل تشير إلى أن التقسيم كان سابقا على الحقبة الإسكندرية، ولكن لا يمكننا التيقن من توقيت حدوث التقسيم على وجه التحديد. في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد كان هيرودوت لا يزال يشير إلى القصائد مستخدما مسمى «حادثة»، وليس باستخدام مسمى «كتاب».
وجنبا إلى جنب مع استخدامهم لأوراق البردي، كان الإغريق والرومان يكتبون ملاحظات ويؤلفون أعمالا طويلة على ألواح، غالبا ما كانت تصنع من الخشب، وكان يلحق بها من الخلف تجويف منخفض مملوء بالشمع كان الكتاب يضغطون فيه الحروف. وكان يمكن للألواح أن يلحق بها صحائف عديدة، ثم تطوى كالأكورديون؛ ولا يزال يوجد نموذج حقيقي، عثر عليه في بئر في نينوى حاضرة الحضارة الآشورية، التي دمرت في عام 612 قبل الميلاد. ويشير الذكر الوحيد للكتابة، الذي ورد في ملحمتي هوميروس بأسرهما إلى هذا النوع من الألواح (الإلياذة، الكتاب 6، البيت 168، وهو ما سنتناوله بتفصيل أكبر لاحقا؛ انظر شكل
1-2 ).
والمرجح أن معظم النظم المكتوب - والذي نحسب أنه كان كذلك - كان يجري على ألواح سريعة الزوال ومتكررة الاستخدام كهذه، وإن كان لا بد وأن بداية النصوص الهوميرية ذات الطول الهائل كانت على لفائف من ورق البردي مباشرة. ويرجع السبب في بقاء معظم الأدب الإغريقي إلى أنه، في وقت ما، نقل ما كان مكتوبا على ألواح إلى أوراق البردي، تلك المادة المعمرة السهلة النقل على نحو مدهش.
شكل 1-2: لوح خشبي من صحيفتين (يسمى «دبتك» وتعني اللوح المزدوج) من حطام السفينة الغارقة بالقرب من أولوبورون قبالة الساحل الجنوبي لتركيا المعاصرة. فيما مضى كانت المنطقة الوسطى المنخفضة تملأ بالشمع، المفقود حاليا من النموذج بالغ الندرة. يبلغ ارتفاع اللوح نحو خمس بوصات، ويرجع إلى حوالي عام 1350 قبل الميلاد. الصورة بإذن من معهد علم الآثار البحرية.
أتاح مجلد المخطوطات للقارئ البحث عن الأشياء بتقليب صفحات النص، كما نفعل هذه الأيام، في حين أنه كان من المعضل البحث عن شيء ما في لفيفة. كان تصميم مجلد المخطوطات يشكل ما هو أشبه بفاصل بين الأدبيات القديمة والحديثة. فما لم ينقل العمل من ملفوفة البردي إلى مجلد المخطوطات في القرون المسيحية الأولى، ومن ثم يتخطى حاجز تغير التصميم، كان يفقد: ومثال ذلك المجموعة الكاملة لكتابات الشعراء الغنائيين اليونانيين المجهولين، التي لم يقرأ منها إلا نذر يسير في القرون المسيحية الأولى، ومن ضمنهم الشاعران الشهيران صافو وألكايوس (اللذان لم ينج من أعمالهما إلا بضعة أبيات، أغلبها من برديات عثر عليها في مصر). ولعلنا نعيش في الوقت الحاضر انفصالا مماثلا بين حفظ المعلومات في نسخ مطبوعة وبين حفظها في ملفات إلكترونية، ومن ثم ينقل قدر كبير بينما يظل قدر كبير آخر غير منقول؛ وعليه فمن المستبعد أن تظل مكتباتنا الورقية الحالية قائمة، إلا في صورة آثار، في غضون مائة عام من وقتنا هذا. ويصدق القول نفسه على عشرات المليارات من الشرائح الفوتوغرافية الشفافة من مقياس 35 ملليمترا، التي ستندثر إن لم تحول إلى شكل رقمي.
قبيل نقل ملحمتي هوميروس من اللفائف إلى مجلدات المخطوطات في القرن الثاني أو الثالث الميلادي، كانت قد وضعت صيغة قياسية نطلق عليها صيغة «الفولجاتا»
Unknown page