أنت أعطيت أمانًا ورأيًا لأهل الشام، وحينئذ نصبت القنابر، وأظهرت العذاب على أمة محمد ﷺ وسكان بلاد الله المقدسة، ومعدن الأنبياء والأولياء، وأرض المحشر والمنشر، وما من نبي إلا من الشام أو هاجر إلى الشام. وقال ﷺ: لا تزال من أمتي فرقة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة، ألا وهم بالشام. وفي بعض الأحاديث القدسية: "يا شام من أمَّكِ بسوء قصمته. أنت صوط (كذا) الله في الأرض، ينتقم بك ممن يشاء من عباده". فلو كنا مجوسًا ما فعل بنا هكذا. فإما أن ترفع العذاب عنا وإلا نستأذنك ونأخذ كل أهل الشام من فقرا، ونسا، وأولاد وكبار وصغار، ونتوجه على وجهنا إلى أي مكان قدَّر الله تحت التهلكة، وافعل بعد ذلك بالبلدة ما شئت.
فحينئذ حصل له توقف من طرف الله، وأرسل نادى بالأمان، ورفع العذاب بعد الإحراق والنهب والقتل ونهب غالب ما في قرايا الشام ومواشيهم، ونهب سراية ودايرة عثمان باشا ما عدا سرتية الحرم.
واستقر الأمر إلى يوم الإثنين رابع ربيع الأول فجاء منه كتاب وفرَّج الكريم الوهاب. ومضمونه: "إنه كان سبب مجيئنا لهذه البلاد الشامية لأجل مقابلة عثمان باشا. فلو خرج لنا للخارج ما قارشناكم، وتعرضنا للقلعة أخبرونا أن بها عثمان باشا وأمواله، فلما تحققنا غيابه وأنه ليس بها رفعنا التعرض، وما مرادنا بلدتكم ولا إضراركم وأذيتكم، وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان، والقلعة قلعته، أيَّد الله خلافته إلى يوم الدين. وقد عزمنا على التوجه والعود إلى طرف مصر، ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام، فنرجو أن تبتهلوا بالدعا لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية، وتذكرونا بالخير والجميل والسلام".
وطلب منا الجواب عن مكتوبه.
فكتبنا له: "إنه وصل كتابكم، وعرفتونا أن سبب مجيئكم لأجل عثمان باشا وقد ذهب، وأن البلدة بلدة حضرة مولانا السلطان، وما مرادنا البلدة، والآن عازمين على العود إلى مصر، فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام".
وثاني يوم الثلاثة بكرة النهار رحل متوجهًا إلى طرف مصر. وكانت مدة إقامة أبو الذهب من حين مجيئه للشام إلى يوم سفره ستة عشر يومًا تماما. والله سبحانه فرَّج بمنِّه وكرمه.
فعند ذلك اجتمعنا جميع علماء البلدة بالسرايا، واستأجرنا ساعيًا، وكتبنا كتابًا لوالينا عثمان باشا إلى حماه وأخبرناه بما وقع، وقيام أبو الذهب من الشام، وأرسلنا له صورة مكتوب أبي الذهب، وفتحت البلدة كما كانت أولًا.
ثم في يوم الخميس سادس عشر من ربيع الأول جاء عثمان باشا، وولده محمد باشا، ومعه عسكر من حماه، وجاء قاضي الشام معه مكي أفندي، والأفندية، وجاء النقيب من عند الدروز، وجاء يوسف آغا جبري أوغلي من جبل الدروز ومعه نحو خمسة آلاف درزي، أنزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا. وعاد خليل باشا بعسكره، ونزل خارج البلدة. وهذا ما وقع على وجه الصدق.
واستمرت أهل الشام بعد ذلك في عظيم الشدة والضيق لذهاب أموالهم وخراب قرايا الشام.
وكان قبل ذلك أخذ منهم عثمان باشا نحو ألف كيسًا (كذا) من البازركان على سبيل القرض ليوفيهم إياها بواسطة يوسف آغا جبري زاده.
وكان سبب جميع ما وقع بقضاء الله تعالي على أهل هذه البلدة المقدسة سببه الظلم التعدي، وتولية الأمور من عثمان باشا لغير أهلها لرعاع الناس.
قال ﷺ: "إذا وسِّد الأمر لغير اهله فارتقبوا الساعة".
وقال الله تعالى: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها".
ولم يقدر أحد يتكلم ويعلم الدولة العلية بذلك
وحضرة الدولة العلية غير عالمة بأهل الشام والذي حلَّ بها.
1 / 3