هذا الشعر يخاطب به عمه عامرا، ملاعب الأسنة، وكان للبيد جار من بني عبد القيس، قد لجأ إليه، واعتصم به، فضربه عمه بالسيف، فغضب لذلك لبيد وجعل يعدد - على عمه - بلاءه عنده ويتوعده، وينكر عليه ما فعل بجاره!، ثم قال:
لي النَّصر فيكم والْوَلاَءُ عليكمُ ... ومَا كُنْتُ فَقْعًا أَنْبَتَتْهُ الْقَرَاقِرُ
وأنت فقير لم تُبَدَّلْ خَلِيفَةً ... سَوضايَ ولم يلْحَقْ بَنُوكَ الأصاغر
فَقلْتُ ازدجر أَحْنَاء طيرك واعْلمَنْ ... بأنَّكَ إنْ قدَّمْتَ رِجْلَكَ عَاثِرُ
وإن هَوَانَ الجارِ للجار مُؤْلِم ... وفَاقِرَةٌ تأوى إليها فَوَاقِرُ
فأصبحتَ أَنَّي تأْتها تَشْتَجِرْ بها ... كِلاَمرْ كَبيْها تحْت رِجْلَيْكَ شَاجِرُ
وإنْ تَتَقَدَّمْ تَغْش مِنها مُقَدَّمًا ... غليظًا وإنْ أخَّرْتَ فَالكفْلُ فاجرُ
ومعنى: تشتجر تشتبك وتلتبس، ويروى تلتبس: ومعناه كمعنى تشتجر، وشاجر: مشتبك.
ويروى رجلك: ورحلك: والرحل للناقة: مثل السرج للفرس والكفل: كساء يحوى وراء الرحل، أي يدار، فيركب عليه الرديف، يقال: أرحلت البعير، وأكفلته، أي جعلت عليه رحلا وكفلًا، وهما المركبان اللذان ذكرهما.
ومعنى الشعر: أنه يقول لعمه: إنك ركبت أمرًا، لاخلاص لك منه، فأنت بمنزلة من ركب ناقة صعبة، لا يقدر على النزول عنها سالما لأن رجليه قد اشتبكا بركابيها وكلا مركبيها لا يستقر عليه؛ إن ركب على مركبها المؤخر - وهو الكفل -: وجده صعبًا، وإن ركب على مركبها المقدم وهو الرحل مال به وصرعه!.
والشاجر المائل غير المستقيم، والعرب تشبه النشب في العظائم بالركوب على المراكبالصعبة؛ فيقولون: ركبت مني أمرًا عظيمًا، ولقد ركبت مركبًا صعبا، وفلان ركاب العظائم، ونحوه قول الأعشي:
لَئِنْ جَدَّ أسبابَ التَّقَاطُع بيننا ... لَتَرءتَحِلَنْ مِنّي على ظَهْر شَيْهَمِ
وقال الأخطل:
لقد جعلتْ قُيْس بنُ عَيْلاَنَ حَرْبَنَا ... عَلى يَابِس السِّيسَاء مُحْدَوْدِبِ الظَّهْرِ
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
إذا قَصُرتْ أسْيَافُنا كَانَ وَصْلُهَا ... خُطانا إلى أعدائِنا فَنُضَاربُ
هذا البيت: لقيس بن الخطيم، وقد ذكرنا اسمه، واسم أبيه فيما تقدم. وهو من شعر يذكر فيه يوم بعاث.
وبعد هذا البيت:
وَيَوْم بُعَاثٍ أَسلَمتْهُ سيوفنا ... إلى نَسَب في جِذْمِ غسّان غالب
يُعَرِّين بِيضًا حين نَلْقَى عَدُوَّنَا ... ويُغْمِدْنَ حُمْرًا ناحِلاَتِ المْضَارِبِ
ويروى: إلى أعدائنا بالتقارب ولا شاهد فيه على هذه الرواية.
ويروى: وإن قصرت.... فنضارب بالرفع على الإقواء.
وخطىً جمع خطوة، وهو ما بين القدمين، والخطوة بفتح الخاء - المصدر، هذا قول الفراء، وقال غيره: هما بمعنى واحد، وهذا نظير قول أبي قيس بن الأسلت:
والسَّيف إنْ قَصَّرَهُ صانِعٌ ... طوَّله يَومَ اللِّقَا بَاعِي!
والشاهد في هذا البيت: أنه عطف فنضارب على مكان كان لأنها مجزومة الموضع، كأنه قال: نكن فنضارب، كما قال ﷿: " فأصدق وأكن من الصالحين "، فعطف أكن على موضع فأصدق، لأن الفاء لو سقطت لكان مجزوما.
وأنشد أبو القاسم في باب: ما ينصرف، وما لا ينصرف:
لَمْ تَتَلَفَّعْ يفضْل مِئْزَرِهَا ... دَعْدٌ، ولم تُسْقَ دَعْدُ بالْعُلَبِ.
هذا البيت: لجرير بن الحطفي، ويروى بن الرقيات، ولقب: الرقيات بقوله:
رُقَيَّةُ، لا رُقَيَّةُ، أيُّها الرجُل!
والتلفع: الاشتمال بالثوب.
والعلب: أقداح من جلود يحلب فيها، ويشرب فيها، ويروى في العلب، وصلح استعمال في ههنا؛ لأن المعنى لم تسق اللبن في العلب.
فمن رواه هكذا، في موضع من الإعراب؛ لأنها في موضع الحال، كأنه قال: لم تسق اللبن، كائنا في العلب.
ومن روى: بالعلب - بالباء فلا موضع لها؛ لتعلقها بظاهر.
1 / 53