أراد بالمغبوقة: خيلًا يؤثرها أصحابها على عيالهم، فيسقونها الغبوق، وهو ما يشرب بالعشي، من لبنٍ وغيره.
وأراد بابن ذي الجدين: بسطام بن قيس الشيباني، وكان قتله عاصم بن خليفة الضبي، فسقط على الآلاء، وهي صخرة صغيرة، ولذلك قال ابن غنمة الضبي:
فخرَّ على الآلاءَة لَمْ يوسَّدْ ... كأنَّ جَبِينَهُ سَيفٌ صَقِيلُ
ومعنى ينشج: يخرج من حرحه الدم يصوب.
والمسند الذي يعلله ويرفق بحاله، ويتبين حالة الحياة.
ودالق: هو عمارة بن الوهاب العبسي، وكان يلقب: دالقًا، لكثرة غاراته، وقتله بسرحاف الضبي.
ويروى أن يونس بن حبيبٍ لقي الكسائي، فقال له: يا أبا الحسن كيف تروي بيت الفرزدق:
غَدَاةَ أحلّت لابن أَصْرَمَ طَعْنَة ... حُصينٍ عَبيطَات السَّدائِفِ والخَمْر؟
قال: أرفع الطعنة على القياس، وأنصب العبيطات، وأقطع الخمر: وأحملها على المعنى: كأنه قال: والخمر حلت له.
فقال له يونس: ما أحسن ما قلت، ولكن الفرزدق أنشدنيه مقلوبا!.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
وَعَضُّ زمانٍ يا ابنَ مَرْوانَ لم يَدَعْ ... مِنَ المالِ إلاّ مُسْحَتًا أو مجلّفُ
هذا البيت: للفرزدق، يمدح به عبد الملك بن مروان، ويهجو جريرًا وقبله:
إليك أمِيرَ المؤمنين رَمَتْ بنا ... هُمُومُ المُنَى والَهْوجَلُ المتعَسَّفُ
والهوجل: الفلاة التي لا أعلام فيها يهتدى بها، وإلى هذا ذهب أبو الطيب المتنبي في قوله:
وهَوَاجلٌ وَصَوَاهِلٌ وَمناصِلٌ ... وذَوَابلٌ وتَوَعُّدٌ وتَهدُّدُ
والمتعسف: الذي يسار فيه بلا دليل، والعض: والعط - بالضاد والطاء - شدة الزمان، والمسحت: المستأصل الذي لم يبق منه بقية، والمجلف: الذي ذهب معظمه، وبقي منه يسير.
وفي هذا البيت ثلاث رواياتٍ، كلها اضطرار: أحدها. فتح الياء والدال من يدع: ونصب مسحت.
والثانية: فتح الياء من يدع: وكسر الدال، ورفع مسحت.
والثالثة: ضم الياء، وفتح الدال، ورفع مسحت.
فأما الرواية الأولى - التي ذكرها أبو القاسم، وهي المشهورة -: ففيها أربعة أقوال: أحدها: أن يكون مجلف مرفوعًا بفعل مضمر، دل عليه لم يدع كأنه قال: أو بقي مجلف.
والقول الثاني: - قول الفراء -: أن مجلف: مبتدأ مرفوع، وخبره محذوف، كأنه قال: أو مجلف كذلك.
والقول الثالث: - حكاه هشام عن الكسائي -: أنه قال: تعطفه على الضمير في مسحت.
والقول الرابع - وجدته في بعض كلام أبي على الفارسي -: أنه معطوف على العض: قال: وهو مصدر جاء على صيغة المفعول، كما قال جل وعز: " ومزقناهم كل ممزقٍ "، كأنه قال: وعض زمان، أو تجليف.
وأما على رواية من كسر الدال من يدع. ورفع المسحت فإنه جعله من قولهم: ودع في بيته، فهو وادع إذا بقى، ورفع المسحت به، وفي الكلام حذف؛ كأنه قال: من أجله أو من سببه.
ومن روى بفتح الدال، وضم الياء - على صيغة ما لم يسم فاعله - رفع المسحت: أيضًا، إلا أنه مفعول لما لم يسم فاعله، وكان يجب أن يقول: لم يودع، ولكنه حذف الواو، كما حذفت من يدع.
وقد تكلمنا في هذا البيت، بأكثر من هذا في الكتاب الأول، فأغنى عن إعادته ها هنا.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
قَدْ سَالمَ الحيّاتُ مِنْهُ الْقَدَمَا
الأُفْعُوانَ والشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا
وَذَاتَ قَرْنَيْن ضَمُوزًا ضِرْزِمَا
هذا الرجز: لمساور العبسي، وبعده:
همَهَمْنَ في رِجْلَيْهِ حِينَ هَوَّمَا
ثُمَّ اغتدْينَ وغَدَا مُسَلَّما
ومساور: اسم منقول لأنه اسم فاعل من ساوره: إذا واثبه.
هجا رجلًا بغلط القدمين وصلابتهما؛ لطول الحفاء، فذكر أنه يطأ على الحيات، والعقارب، فيقتلها، فقد سالمت قدميه لذلك!.
وكان القياس: أن يرفع الأفعوان وما بعده على البدل من الحيات: غير أنه حمله على فعل مضمر يدل عليه سالم: لأن المسالمة إنما تكون من اثنين، فصاعدا، وإذا قلت: سالم زيد عمرا، علم أيضًا أن عمرًا سالمه، فكأنه قال: وسالمت القدم الأفعوان.
والأفعوان: الذكر من الأفاعي، والشجاع الذكر من الحيات، قال عمرو بن شأس الأسدي:
وأطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ رَأَى ... مَسَاغًا لِنَابَيْهِ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
1 / 51