وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتقرَّ عيني ... أحبّ إليّ من لُبْسِ الشُّقُوفِ
هذا البيت: لميسون بنت بجدل الكلبية.
وميسون، وبجدل: من الأسماء المرتجلة.
أما بجدل: فلا أعلم له اشتقاقا.
وأما ميسون: فيحتمل أن يكون مشتقا من قولهم: مسنه بالسوط مسنًا، إذا ضربه، فتكون ميمه أصلية، وباؤه زائدة، ووزنه: فيعول.
ويحتمل أن يكون مشتقا من ماس يميس إذا تبختر، فيكون اشتقاق ميسون - للمرأة - وميسان - للبلدة - من أصل واحد. والأشبه أن يكون من مسن، لأن اشتقاقه من ماس يوجب أن تكون النون في ميسون زائدة، والياء أصلية، فيكون وزنه: فعلونًا وسحنون وفعلون غريب لا يعرف نظيره، إلا قولهم: زيتون، فإن قوما من النحويين استدلوا على زيادة النون فيه بالزيت المعصور منه، وحكى بعض اللغويين: أرض زيتية، إذا كان فيها زيتون، وهذا يوجب أن يكون وزنه: فيعولًا.
والعباءة، والعباية: الجبة.
والشفوف: الثياب الرقاق التي يرى ما وراءها.
وكان معاوية بن أبي سفيان، تزوج ميسون هذه، وساقها من البادية، وجعلها من كرائمه، فأبغضته لكبر سنه وشيخوخته فقالت هذا البيت، وبعده:
لَبيتٌ تَخْفِق الأرواحُ فيه ... أحبُّ إليّ من قصْرٍ مُنِيفِ
لَكَلْبٌ يَنْبَحُ الأضيافَ وَهْنًا ... أَحَبُّ إليَّ من قِطٍّ أليفِ
لأَمْرَدُ مِنْ شَبَابِ بَنيِ كلابٍ ... أَحَبُّ إِليّ مِنْ شيْخ عَنيفِ
فطلقها معاوية، وقال الحقي بأهلك!.
وتقدير هذا البيت: أحب إلي من لبس الشفوف، دون قرة عيني، فحذفت ذلك لما دل عليه معنى الكلام.
ويروى أن شيخًا تعرض لامرأة، فقالت له: لست أركب أشهب!! وكتب شيخ إلى امرأة متأدبة يخطبها! - وكان أفوه، طويل الأسنان - فكتبت إليه، ووقعت على ظهر كتابه:
اتّق الله في دَمِي يا مَلِيح التَّبَسُّم!.
وأنشد أبو القاسم في باب؛ من مسائل الفاء:
ألَمْ تَسْألْ الرَّبْعَ الخَوْاءَ فَيَنْطِقُوَهَلْ تُخْبِرنْكَ الْيَومَ بَيْدَاءُ سِمْلَقُ
هذا البيت: لجميل بن معمر العذري.
وجميل، ومعمر، وعذرة كلها منقولة.
أما الجميل: فالحسن من كل شيء، والجميل: الودك، قال أبو خراش.
نُقَابلُ جوعَهُمْ بمكَلَّلاَتٍ ... مِنَ الفُرْنِيِّ يَرْعبُهَا الجميل
والرعيب: الدسم.
والمعمر: موضع العمارة، ومعمر: اسم موضع بعينه.
وعذرة - الجارية -: انغلاق قبلها قبل أن تنكح، والعذرة: شعر الناصية، قال امرؤ القيس:
لها عُذَر كقُرونِ النِّسَا ... ء رُكِّبْن في يَوْمش ريح وصِرّ
والربع: المنزل حيث كان، والمربع: المنزل خاصة.
والقواء: الخالي، والبيداء الفلاة التي تبيد من يسلكها.
والسملق: التي لا شيء فيها.
ومعنى نطق الربيع: ما يبين من آثاره، والعرب تسمى كل دليل نطقًا وقولا.
وكذا قال الله تعالى: " هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق " ومنه قول زهير:
أمن أُمِّ أوْفَى دِمْنَةٌ لم تكلَّم ... بجوْمانة الدّرّاج فالمتثلّم
أي لم يبن لها تكلم وأثر نسيان؛ لقدم عهدها، بالنزول فيها، ونحو قوله: هللا وقفت على الجنان فقلت: من أجرى أنهارك، وغرس أشجارك وجنى ثمارك؟! فإن لم تجبك حوارًا، أجابتك اعتبارًا!.
وإلى هذا ذهب أبو العلاء المعري بقوله:
أتَحْسِسَبُ أنّ البدْر لَيْسَ بناطقٍ ... فَصِيحٍ وأنَّ الشَّمْسَ لا تَتكَلَّمُ؟!
فلا قد أتانا كل ما هو زائل ... ولكننا في عَالَم ليْسَ يَعْلَم!
وبعد بيت جميل:
وإمَّا تردُّ القوْلَ: دَارٌ كأنهالطول بِلاَهَا، والتَّقادم مهْرَقُ
وقفتُ بها حتَّى تجلَّتْ عَمَايَتِي ... وملْ الوقوف اْلأَرْحبيّ المنَوَّقُ
وأنشد أبو القاسم في باب من مسائل إذا:
لَئِنْ عَادَلِي عَبْدُ الْعزِيزِ بمِثْلِها ... وأمْكنَنِي مِنْها إذًا لاض أٌقِيلُهَا
هذا البيت: لكثير عزة الخزاعي.
وعبد العزيز - هذا - هو عبد العزيز بن مروان، أبو عمر بن عبد العزيز.
وكان كثير عزة مدحه، فاستحسن شعره، فقال: سل حاجتك! فقال: تجعلني مكان كاتبك ابن رمانة! فقال: ويلك!، ذاك كاتب، وأنت شاعر - واستحمقه.!
1 / 47