فالجواب: أن المانع من ذلك: هو ظهور الألف في الأب؛ لأن حروف المد واللين في الأب - وأخواته - أصول إنما ثبتت في حال الإضافة، فوجب من أجل الألف تكون مضافًا إلى الضمير، وتكون اللام مقحمة تأكيدًا للإضافة، وإذا كان الأمر على ما وصفناه: بطل أن يكون لكم الخبر، وإنما يكون المجرور هو الخبر، إذا حذفت الألف، وقلت: لا أب لك، كما قال نهار بن توسعة اليشكري:
أبى الاسلامُ، لا أبَ لي سِواهُ ... إذَا افْتَخَرُوا بقيْسٍ، أو تميم
فإن قال قائل: كيف يصح أن يقال في هذه اللام: إنها زائدة مقحمة، وأنت إذا قلت: لا أبالك لم يجز؛ لأنه يصير الأب معرفة بالإضافة إلى الضمير، ولا تعمل في المضاف، فإذا كانت هذه اللام هيأت الاسم، وأصلحته لأن تعمل فيه لا والاعتماد عليها، فكيف يقال فيما هو معتد به؛ معتمد عليه: إنه زائد؟؟! فالجواب، أن اللام معتد بها؛ من جهة أنها هيأت الاسم لأن تعمل فيه لا، وهي غير معتدٍ بها؛ من جهة إثبات اللف في الأب.
فإن قيل: فكيف يصح أن يقال في شيء واحد: إنه معتد به، وغير معتد به؟، وهل هذا إلا بمنزلة الجمع بين النقيضين؟؟! فالجواب: أنه إنما كان يعد جمعًا بين نقيضين لو قلنا: إنه معتد بها، من جهة واحدة، بمعنى واحد، وإذا اختلف الجهتان لم يلزم هذا الذي اعترضت به؛ لأنه لا ينكر أن يكون الشيء معتدًا به من جهة ما، وغير معتد به من جهة أخرى! فإن قال قائل: فإذا قلتم: لا أبا لزيد، بم تخفضون: زيدا، بإضافة الأب، أو باللام؟ فالجواب: أن الاختيار عندنا أن يكون مخفوضًا باللام لا بالإضافة، والعلة في ذلك: أنه لما اجتمع عاملان، ولم يجز أن يجر زيد بهما جميعًا - إذا لا يعمل عاملان في معمول واحد، في حالة واحدة، من جهة واحدة - لم يكن بد من تعليق أحدهما عن العمل وإعمال الآخر. فكان تعليق الاسم أولى لوجهين: أحدهما: أنا قد وجدنا الأسماء تعلق عن العمل، في نحو قولهم: مررت بخير وأفضل من ثم، وقطع يد ورجل من قاله، وقال الفرزدق:
يَا مَنْ رأى عَارِضًا أَرِقْت لَهُ ... بين ذِرَاعيْ وَجبْهةِ اْلأسَدِ
ولم نجد حرفا يعلق عن العمل، وإن كان زائدًا إلا نادرا كالباء في قولنا: ليس زيد بقائم فهي زائدة، وقد عملت كما عملت غير الزائدة في: مررت بزيد.
وكذلك قلنا: ما جاءني من أحد: من: قد عملت في أحد: وهي زائدة، كما عملت غير الزائدة في قولنا: خرجت من الدار.
والوجه الثاني: أن الإسم أقوى من الحرف، والأقوى يحتمل من التعليق والحذف، ما لا يحتمله الأضعف، كذلك قال ابن جني، وأجاز القول الأول، وهو تعليق الاسم.
ويمكن من علق الحرف أن يقول: إنا قد وجدنا الحروف تعلق في الحكاية كقول الراجز:
والله ما ليلي بِنَامَ صَاحِبُه ... ولا مُخَالِط اللَّيَانَ جَانِبُه
وأنشد أبو القاسم في باب ما لا يجوز فيه إلا إثبات الياء:
يا ابنةَ عَمَّا لاَ تَلُومِي واهْجَعِي
هذا البيت: لأبي النجم العجلي، واسمه: الفضل بن قدامة. وقدامة: اسم مرتجل مشتق من التقديم، أو من التقدم، والفضل، والنجم: منقولان.
وبعده:
لا تُسْمِعي منْك لَوْمًا واسْمَعِي! ... أيهاتَ أيهاتَ ولا تطَلَّعي
هِيَ المقاديرُ فَلُومِي أَوْدَعِي ... لا تَطْمَعِي في فُرْقَتِي لا تَطْمَعي!
ويروى: هي الملازم - أي الأقدار اللازمة، التي لا ينجو منها أحد!.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
يا ابنَ أُمِّي ويا شُقَيِّقَ نَفْسِي ... أَنْتَ خَلَّيْتَنِي لِدَهْرٍ شَدِيدِ
هذا البيت: يروى لأبي زبيد الطائي، واسمه: حرملة بن المنذر، في شعر يقول فيه:
غير أنّ الجُلاَحَ هَدَّ جَنَاحِي ... يومَ فارقْتُه، بأعْلَى الصَّعيد
عن يمين الطريق، عند صُدَىٍّ ... حَرَّانَ يدعو باللَّيْل غيْرَ مَعُودِ
صادِيًا يستغيثُ غيرَ مُغَاثٍ ... ولقد كان عُصْرَةَ المنْجودِ
وزبيد: اسم منقول، يجوز أن يكون تصغير زبد وهو العطاء، أو تصغير زبد المعروف، أو تصغير الزبد الذي يعلو الماء، أو تصغير: زابد، أو مزبود، أو مزبد - على معنى تصغير الترخيم.
وحرملة: منقول أيضًا من واحدة الحرمل.
1 / 37