وقصت عنقه إذا كسرتها، وهي صفة نقلت إلى التسمية بها، وكان عبد يغوث هذا أحد من أسر يوم الكلاب، أسرته تيم الرباب، وكانوا يطلبونه بدم رجل منهم، يقال له: النعمان بن جساس: فأيقن أنه مقتول، فقال هذا الشعر ينوح على نفسه، وأوله:
أَلاَ لاَ تَلُومَانِي كَفَى الَّلوْم مَابِياَفَمَا لَكُما في اللَّوْمِ خَيْرٌ ولا لِياَ
ألَم تَعْلَما أنَّ المَلاَمَةَ نَفْعُها ... قليلٌ ومَا لَوْمِي أخِي مِن شِمالِيا
فيارَاكِبًا إمَّا عَرَضْتَ فبلِّغنْ ... نَدَامَايَ مِنْ نجْرَانَ أنْ لا تَلاقِيا
أبا كُرَبٍ والأيْهمَيْنَ كِلَيْهما ... وقَيْسًا بِأعْلَى حضرموت اليمانيا
ومعنى عرضت. تعرضت، وأن مخففة من الثقيلة، واسمها مضمر، وتقديره: أنه لا تلاقيا لنا، فخبر لا التبرئة محذوف، والجملة في موضع خبر أن، وأراد: من أهل نجران فحذف المضاف، وأبو كرب، والأيهمان: رجال من اليمن، وقيس: هو ابن معديكرب، أبو قيس بن الأشعث الكندي، والشمال، واحد الشمائل.
وأنشد أبو القاسم - رحمه الله تعالى في هذا الباب:
أَلاَ يا نَخْلةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ ... عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللهِ السّلامُ
هذا البيت: لا أعلم لمن هو، وينسبه قوم إلى الأحوص.
وذات عرق: موضع، وقوله: من ذات عرق في موضع الصفة لنخلة، كأنه قال: ألا يا نخلة كائنة من ذات عرق.. فمن متعلقة بمحذوف.
وقوله: عليك ورحمة الله السلام: مذهب أبي الحسن الأخفش، أنه أراد: عليك السلام ورحمة الله، فقدم المعطوف ضرورة، ونظيره قول ذي الرمة:
كأنَّا على أولاد أحقبَ لاَحَهَا ... ورَمْيُ السَّفَي أَنْفَاسها بسهامِ
جنوبٌ ذَوَتْ عنها التَّناهِي وأنزلت ... بها يوم ذَبَّاب السَّبِيبِ صيامِ
تقديره لاحها جنوب ورمي السفي.
وإنما قال الأخفش هذا؛ لأن السلام عنده فاعل مرفوع بالاستقرار المضمر في عليك.
ولا يلزم هذا سيبويه على مذهبه، لأن السلام عنده مرفوع بالابتداء وعليك خبر مقدم، ورحمة الله معطوف على الضمير المرفوع، الذي في عليك، فلا موضع لعلى، على رأي الأخفش، ولها موضع على قول سيبويه.
والنخلة في هذا الموضع: كناية عن امرأة، وكان عمر بن الخطاب ﵁ قد نهى الشعراء عن ذكر النساء في أشعارهم، لما في ذلك من الفضيحة، وكان الشعراء يكنون عن النساء بالشجر وغيره، ولذلك قال حميد بن ثور الهلالي:
وهل أنَا إِنْ علّلْت نفسي بِسَرْحَةٍ ... من السَّرْحِ مَسْدُودٌ عليَّ طريق
أَبِى اللهَ أن سَرْحَةً مالكٍ ... على كلِّ أفْنَانِ العِضَاهِ تَرُوقُ
فقد ذهبت عرضا وما فَوْق طولها ... من السَّرْح إلاّ عَشَّةٌ وسَحُوقُ
فلا الظِّل من برْد الضحى مستطيعه ... ولا الْفَيْئ من برد العشيّ تذوق
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
أَدَارًا بحَزْوَي هِجتِ للْعَين عَبرْةً ... فماء الْهَوَى يَرْفَضُّ أو يَتَرَقَرَقُ؟!
هذا البيت: لذي الرمة وقد ذكرنا اسمه فيما تقدم، وبعده:
كَمُسْتعْبَرِي في رَسْمِ دار كأنها ... بِوَعسْاء تنْصُوها الجماهيرُ مهْرَقُ
وقفنا فَسَلمْنا فكادت لمشْرِفٍ ... لعِرْفان صَوتي دِمْنَة الدَّار تَنْطقُ
تُجيش إليَّ النفسُ في كل منزلٍ ... لميٍّ ويرتاع الفؤاد المشوَّقُ
وحزوى: اسم موضع، وهجت: حركت العبرة: الدمعة، وسمي الدمع: ماء الهوى؛ إذ كان الهوى هو الذي يسكبه ويجريه.
ويرفض: يسقط متفرقًا، ويترقرق: بتردد في العين. ومعنى قوله: كمستعبري: أي استعبرت لهذه الدار، التي بحزوي كاستعباري لهذه الدار النابية، فمستعبر: مصدر لحقته الميم، وجاء على صيغة مفعول، كما يقال: أكتسبت اكتسابًا ومكتسبًا - ويطرد في كل فعل جاوز ثلاثة أحرف: أن يجئ مصدره على صيغة مفعوله.
والوعساء: رملة سهلة لينة.
معنى تنصوها: تحتذيها وتتصل بها، من قولك: نصوت الرجل إذا أخذت بناصيته، ويروى تنضوها بضاد معجمة، أي تبرزها وتظهرها.
والجماهير: الرمال العظيمة، والمهرق: الصحيفة.
وأنشد أبو القاسم في هذا الباب:
1 / 32