أَهيم بدعْد ما حَيِيتُ فإن أَمُت ... فواكبدا مما لقيتُ علَى دَعد!
هذا للنمر بن تولب.
وقوله: فرد على الفؤاد هوى عميدًا: أراد به: كان قد سلا، فلما نظر إلى منزل محبوبته راجعه هواه، كما قال بشر بن أبي خازم:
خليليَّ إِنَّ الدّار غَفْر لذي الهوى ... كما يُغفَرُ المجنون أو صاحبُ الكلْم
والغفر: النكس من المرض.
ومعنى نغنى: نقيم.
والعصور: الدهر، ومعنى يقتدننا كما تقاد الدابة، وجاء بالفعل على وزن افتعل للمبالغة في القود؛ كما يقال: كسب، واكتسب، والخرد جمع خريدة، وهي الحيية من النساء، يقال: تخردت المرأة إذا خجلت واستحيت.
والخدال: جمع خدلة، وهي الكثيرة لحم الساقين.
والفعلان في هذا البيت الثاني: نرى ويقتدننا أعمل الأول منهما، وهو نرى ولذلك أضمر في الثاني، ولو أعمل الثاني لحذف الضمير، ورد الفعل إلى أصله، وقال: يقتادنا الخرد الخدال، والبيت قائم الوزن، مع إعمال كل واحد من الفعلين، ولذلك وصله بالبيت، ليعلم أن القوافي منصوبة وأنه أعمل الأول.
وكان ابن درستويه يقول من نصب السؤال يبين فقد أخطأ، لأن السؤال لا يتبينه المجيب، إنما يتبينه السائل، قال: وإنما هو منصوب بسوئل مصدرًا له، ومفعول يبين محذوف، كأنه قال: وسوئل السؤال لو يبين لنا الجواب.! ويروى سؤالا بإسقاط الألف واللام، وهو أشبه بما قال ابن درستوية. وقال غير ابن درستوية: ليس بممتنع أن يكون منصوبًا بيبين على وجهين.
أحدهما: أن يريد جواب السؤال، ويحذف المضاف.
والثاني: أن يقيم السؤال مقام المسئول عنه، كما يقال: ضرب الأمير، وثوب نسج اليمن، فأما بيت بن أبي ربيعة الذي أراده أبو القاسم فأخطأ، هو:
إذا هِيَ لم تُستَك بِعُودِ أرَاكه ... تُنُخِّل فاسْتاكت به عُودٌ إسْحِل
وأنشد أبو القاسم في باب ما يجوز تقديمه، من المضمر على الظاهر، وما لا يجوز:
جزى رَبُّهُ عَنِّي عديَّ بنَ حاتِم ... جزاءَ الكلابِ العاوياتِ وقد فَعَلْ
هذا البيت: أعلم قائله.
واستشهد به أبو القاسم على تقديم المضمر، على الظاهر ضرورة.
وقد تأوله قوم: على أن الضمير في ربه عائد على الجزاء الذي دل عليه جزاء؛ كما يقال: من كذب كان شرًا له.
وجزاء الكلاب العاويات: منصوب على المصدر، وجزاؤها: أن تضرب وتهان! ونظير قوله: وقد فعل قول المتنبي:
وهذا دعاء لوْ سَكَتُّ كُفِيتُهُ ... ولكن سألْتُ الله فِيكَ وَقَدْ فَعَلْ
وأنشد أبو القاسم، في باب إضافة المصدر إلى ما بعده:
أَفْنَى تِلادي وما جَمَّعتُ من نَشَبٍ ... قَرْعَ القواقيز أفْواهُ الأباريقِ
هذا البيت للأقيشر الأسدي، واسمه: المغيرة بن عبد الله ابن الأسود.
والمغيرة، والأسود، والأقيشر: صفات منقولة التسمية، وكان الأقيشر يغضب من هذا الإسم، فمر يومًا ببني عبس، فقال له بعضهم: يا أقيشر.! فنظر إليه مغضبًا وقال:
أَتَدْعُوني الأقيشر ذاكَ إِسْمي ... وأدعوكَ ابن مُطْفِئَةِ السِّراجِ
تناجي خِدْنَها بالليل سِرًّا ... ورَبُّ النَّاس يَعْلَم ما تُنَاجِي!
فسمى ذلك الرجل: ابن مطفئة السراج، ولم يزل ذلك الاسم باقيًا في عقبه.! وكان مشتهرًا بالشراب لا يصحو منه، فقال في ذلك:
أقول والكأْس في كفِّي أُقلِّبَها ... أُخَاطِب الصِّيد أبْناء العماليق
لا تَشربن أبدًا راحا مسارَفة ... إلاّ مع الْغُرِّ أبناءَ البطاريقِ
أَفْنى تِلادِي وما جَمَّعْت من نَشَبٍ ... قَرْعُ القواقيز أفواهُ الأباريق
كأنهن وأيدي الشّرب معملةٌ ... إذَا تلألأنَ في أيْدي الْغَرانيقِ
بنات ماءٍ مَغَايِيضُ جَآجِئُها ... حُمْرُ مَنَاقِيرُهَا صُفْرُ الحْمَالِيقِ
أيْدي السُّقاةِ بِهِنَّ الدّهر مُعْمَلَةٌ ... كأنَّما أَوْبُها رَجْعُ المَخْارِيقِ
تلك اللَّذاذَةُ ما لَمْ تأتِ فاحشة ... أو تَرْمِ فيها بِسَهْمِ ساقط الفُوقِ
عليك كلّ فتُى سمْحٍ خلائقُه ... مَحْضِ العروق كريمٍ غيْرِ ممذوقِ
1 / 26