وَمِنْهَا أَن بعض النُّفُوس الخسيسة تتأثر من الشَّيَاطِين وتنصبغ بِبَعْض صبغهم، وَرُبمَا اقْتَضَت تِلْكَ الْهَيْئَة خواطر وأفعالا.
وَاعْلَم أَن المنامات أمرهَا كأمر الخواطر غير أَنَّهَا تتجرد لَهَا النَّفس، فتتشبح لَهَا صورها، وهيئاتها. قَالَ مُحَمَّد بن سِرين: الرُّؤْيَا ثَلَاث: حَدِيث النَّفس، وتخويف الشَّيْطَان، وبشرى من الله.
(بَاب لصوق الْأَعْمَال بِالنَّفسِ وأحصائها عَلَيْهَا)
قَالَ الله تَعَالَى:
﴿وكل إِنْسَان ألزمناه طَائِره فِي عُنُقه وَنخرج لَهُ يَوْم الْقِيَامَة كتابا يلقاه منشورا اقْرَأ كتابك كفى بِنَفْسِك الْيَوْم عَلَيْك حسيبا﴾ .
وَقَالَ النَّبِي ﷺ رَاوِيا عَن ربه ﵎: " إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصيها عَلَيْكُم، ثمَّ أوفيكم إِيَّاهَا، فَمن وجد خيرا فليحمد الله، وَمن وجد غير ذَلِك، فَلَا يَلُومن الا نَفسه " وَقَالَ ﷺ: " النَّفس تتمنى وتشتهي والفرج يصدق ذَلِك، ويكذبه ".
اعْلَم أَن الْأَعْمَال الَّتِي يقصدها الْإِنْسَان قصدا مؤكدا، والأخلاق الَّتِي هِيَ راسخة فِيهِ، تنبعث من أصل النَّفس الناطقة، ثمَّ تعود إِلَيْهَا، ثمَّ تتشبث بذيلها، وتحصي عَلَيْهَا إِمَّا الانبعاث مِنْهَا، فَلَمَّا عرفت أَن للملكية والبهيمية واجتماعهما أقساما وَلكُل قسم حكما، وَغَلَبَة المزاج الطبيعي والانصباغ من الْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْبَاب لَا تكون إِلَّا حسب مَا تعطيه الجبلة، وَتحصل فِيهِ الْمُنَاسبَة، فَلذَلِك كَانَ الْمرجع إِلَى أصل النَّفس بوسط أَو بِغَيْر وسط. أَلَسْت ترى المخنث يخلق فِي أول مرّة على مزاج رَكِيك، فيستدل بِهِ الْعَارِف على أَنه أَن شب على مزاجه وَجب أَن يعْتَاد بعادات النِّسَاء، ويتزيا بزيهن، وينتحل رسومهن، وَكَذَلِكَ يدْرك الطَّبِيب أَن الطِّفْل إِن شب على مزاجه، وَلم يفجأه عَارض كَانَ قَوِيا فارها، أَو ضَعِيفا ضارعا، وَأما الْعود إِلَيْهَا فلَان الْإِنْسَان إِذا عمل عملا، فَأكْثر مِنْهُ
اعتادته النَّفس، وَسَهل صدوره مِنْهَا، وَلم يحْتَج إِلَى روية وتجشم دَاعِيَة، فَلَا جرم أَن النَّفس تأثرت مِنْهُ، وَقبلت لَونه، وَلَا جرم أَن لكل عمل من تِلْكَ الْأَعْمَال المتجانسة
1 / 67