أَو ملكية سافلة تَجْتَمِع مَعَ بهيمية شَدِيدَة أَو ضَعِيفَة والاجتماع بالاصطلاح أَيْضا إِلَى أَرْبَعَة مثلهَا، وَلكُل قسم حكم لَا يخْتَلف من وفْق لمعْرِفَة أَحْكَامهَا استراح من تشويشات كَثِيرَة.
وَنحن نذْكر هَهُنَا من ذَلِك مَا نحتاج إِلَيْهِ فِي هَذَا الْكتاب فأحوج النَّاس إِلَى الرياضات الشاقة من كَانَت بهيميته شَدِيدَة لَا سِيمَا صَاحب التجاذب، وأحظاها بالكمال من كَانَت ملكيته عالية لَكِن صَاحب الِاصْطِلَاح أحْسنهم عملا وآدبهم، وَصَاحب التجاذب إِذا انفلت من أسر البهيمية أَكْثَرهم علما، وَلَا يُبَالِي بآداب الْعَمَل كثير مبالاة، وأزهدهم فِي الْأُمُور الْعِظَام أضعفهم بهيمية، لَكِن صَاحب الْعَالِيَة يتْرك الْكل تفرغا للتوجه إِلَى الله، وَصَاحب السافلة إِن انفلت يتْركهُ للآخرة وَإِلَّا يتْركهُ كسلا ودعة، وأشدهم اقتحاما فِي الْأُمُور الْعِظَام أَشَّدهم بهيمية لَكِن صَاحب الْعَالِيَة أقومهم بالرياسات وَنَحْوهَا مِمَّا يُنَاسب الرَّأْي الْكُلِّي، وَصَاحب السافلة أَشَّدهم اقتحاما فِي نَحْو الْقِتَال وَحمل الأثقال، وَصَاحب التجاذب إِذا انْدفع إِلَى الْأَسْفَل أشتغل بِالْأَمر الدنيوي فَقَط، وَإِذا ترقى إِلَى الْأَعْلَى اشْتغل بِالْأَمر الديني وتهذيب النَّفس وتجريدها فَقَط، وَصَاحب الِاصْطِلَاح يشْتَغل بهما جَمِيعًا، ويقصدهما مرّة وَاحِدَة، وَمن كَانَت عاليته مِنْهُم فِي غَايَة الْعُلُوّ ينبعث إِلَى رياسة الدّين وَالدُّنْيَا مَعًا، وَيصير بَاقِيا بِمُرَاد الْحق وبمنزلة الْجَارِحَة. لَهُ فِي تَمام نظام كلي كالخلافة وإمامة الْملَّة، وَأُولَئِكَ هم الْأَنْبِيَاء وورثتهم، وأساطين النَّاس وسلاطينهم، وأولو الْأَمر مِنْهُم وَالَّذين يجب انقيادهم فِي دين الله أهل الِاصْطِلَاح، الْعَالِيَة ملكيتهم، وأطوعهم لأولئك أهل الِاصْطِلَاح السافلة ملكيتهم، فَإِنَّهُم يتلقون النواميس بأشباحها
وهيئاتها، وأطرفهم مِنْهُم أهل التجاذب، لأَنهم إِمَّا منهمكون فِي ظلمات الطبيعة، فَلَا يُقِيمُونَ السّنة الراشدة، أَو قاهرون عَلَيْهَا، فَإِن كَانُوا أهل علو عضوا على أَرْوَاح النواميس، وَكَانَت لَهُم مُسَامَحَة فِي أشباحها، وَكَانَ أَكثر همتهم معرفَة دقائق الجبروت والانصباغ بصبغها، وَإِن كَانُوا دون ذَلِك اهتموا بالرياضات والأوراد، وأعجبوا ببوارق الملكية من كشف وإشراف واستجابة الدُّعَاء وَنَحْو ذَلِك، وَلم يعضوا من النواميس بجذر قُلُوبهم إِلَّا على حيل قهر الطبيعة وجلب الْأَنْوَار،
1 / 65