180

Hujjat Allah Baligha

حجة الله البالغة

Investigator

السيد سابق

Publisher

دار الجيل

Edition Number

الأولى

Publication Year

سنة الطبع

Publisher Location

بيروت - لبنان

﴿لتنذر قوما مَا أَتَاهُم من نَذِير﴾ . غير انهم لم يبعدوا عَن المحجة كل الْبعد بِحَيْثُ لَا تثبت عَلَيْهِم الْحجَّة، وَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِم الْإِلْزَام، وَلَا يتَحَقَّق فيهم الإقحام. فَمن تِلْكَ الْأُصُول القَوْل بِأَن لَا شريك لله فِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمَا فِيهَا من الْجَوَاهِر، وَلَا شريك لَهُ فِي تَدْبِير الْأُمُور الْعِظَام، وَأَنه لَا راد لحكمه وَلَا مَا نع لقضائه إِذا أبرم وَجزم وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَئِن سَأَلتهمْ من خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ليقون الله﴾ . وَقَوله: ﴿بل إِيَّاه تدعون﴾ . وَقَوله تَعَالَى: ﴿ضل مَا تدعون إِلَّا إِيَّاه﴾ . وَلَكِن كَانَ من زندقتهم قَوْلهم: أَن هُنَاكَ أشخاص من الْمَلَائِكَة والأرواح تدبر أهل الأَرْض فِيمَا دون الْأُمُور الْعِظَام من إصْلَاح حَال العابد فِيمَا يرجع إِلَى خُصُوصِيَّة نَفسه وَأَوْلَاده وأمواله، وشبهوهم بِحَال الْمُلُوك بِالنِّسْبَةِ إِلَى ملك الْمُلُوك وبالحال الشفعاء والندماء بِالنِّسْبَةِ إِلَى السُّلْطَان الْمُتَصَرف بالجبروت، ومنشأ ذَلِك مَا نطقت بِهِ الشَّرَائِع من تَفْوِيض الْأُمُور إِلَى الْمَلَائِكَة واستجابة دُعَاء المقربين من النَّاس، فظنوا ذَلِك تَصرفا مِنْهُم كتصرف الْمُلُوك قِيَاسا للْغَائِب على الشَّاهِد وَهُوَ الْفساد. وَمِنْهَا تنزيهه عَمَّا لَا يَلِيق بجنابه وَتَحْرِيم الْإِلْحَاد فِي أَسْمَائِهِ، لَكِن كَانَ من زندقتهم زعمهم أَن الله اتخذ الْمَلَائِكَة بَنَات، وَأَن الْمَلَائِكَة إِنَّمَا جعلُوا وَاسِطَة، ليكتسب الْحق مِنْهُم عَالما لَيْسَ عِنْده قِيَاسا على الْمُلُوك بِالنِّسْبَةِ إِلَى الجواسيس. وَمِنْهَا أَن الله تَعَالَى قدر جَمِيع الْحَوَادِث قبل أَن يخلقها، وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ: لم يزل أهل الْجَاهِلِيَّة يذكرُونَ الْقدر وخطبهم وأشهارهم، وَلم يزده الشَّرْع إِلَّا تَأْكِيدًا. وَمِنْهَا أَن هُنَاكَ موطنا يتَحَقَّق فِيهِ الْقَضَاء بالحوادث شَيْئا فَشَيْئًا، وَأَن هُنَالك لأدعية الْمَلَائِكَة المقربين وأفاضل الْآدَمِيّين تَأْثِيرا بِوَجْه من الْوُجُوه، لَكِن صَار ذَلِك فِي أذهانهم متمثلا بشفاعة ندماء الْمُلُوك. وَمِنْهَا أَنه كلف الْعباد بِمَا شَاءَ، فأحل وَحرم، وَأَنه مجَاز على الْأَعْمَال إِن خيرا فَخير،

1 / 219