Hujjat Allah Baligha
حجة الله البالغة
Investigator
السيد سابق
Publisher
دار الجيل
Edition Number
الأولى
Publication Year
سنة الطبع
Publisher Location
بيروت - لبنان
فَاعْلَم أَنه ﷺ بعث بالملة الحنيفية الإسماعيلية لإِقَامَة عوجها وَإِزَالَة تحريفها وإشاعة نورها، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى:
﴿مِلَّة أبيكم إِبْرَاهِيم﴾ .
وَلما كَانَ الْأَمر على ذَلِك وَجب أَن تكون أصُول تِلْكَ الْملَّة مسلمة، وسنتها مقررة إِذْ النَّبِي إِذا بعث إِلَى قوم فيهم بَقِيَّة سنة راشدة، فَلَا معنى لتغييرها وتبديلها، بل الْوَاجِب تقريرها، لِأَنَّهُ أطوع لنفوسهم وَأثبت عِنْد الِاحْتِجَاج عَلَيْهِم، وَكَانَ بَنو إِسْمَاعِيل توارثوا منهاج أَبِيهِم إِسْمَاعِيل، فَكَانُوا على تِلْكَ الشَّرِيعَة إِلَى أَن وجد عَمْرو بن لحي، فَأدْخل فِيهَا أَشْيَاء بِرَأْيهِ الكاسد، فضل، وأضل، وَشرع عبَادَة الْأَوْثَان، وسيب السوائب، وبحر البحائر، فهنالك بَطل الدّين، وَاخْتَلَطَ الصَّحِيح بالفاسد، وَغلب عَلَيْهِم الْجَهْل والشرك وَالْكفْر، فَبعث الله سيدنَا مُحَمَّد ﷺ مُقيما لعوجهم ومصلحا لفسادهم فَنظر ﷺ فِي شريعتهم، فَمَا كَانَ مِنْهَا مُوَافقا لمنهاج إِسْمَاعِيل ﵇ أَو من شَعَائِر الله أبقاه، وَمَا كَانَ مِنْهَا تحريفا أَو افسادا أَو من شَعَائِر الشّرك وَالْكفْر أبْطلهُ وسجل على إِبْطَاله، وَمَا كَانَ من بَاب الْعَادَات وَغَيرهَا فَبين آدابها ومكروهاتها مِمَّا يحْتَرز بِهِ عَن غوائل الرسوم، وَنهى عَن الرسوم الْفَاسِدَة، وَأمر بالصالحة، وَمَا كَانَ من مَسْأَلَة أَصْلِيَّة أَو عملية تركت فِي الفترة أَعَادَهَا غضة طرية كَمَا كَانَت، فتمت بذلك نعْمَة الله، واستقام دينه، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة فِي زمَان النَّبِي ﷺ يسلمُونَ جَوَاز بعثة الْأَنْبِيَاء، وَيَقُولُونَ بالمجازاة، ويعتقدون أصُول أَنْوَاع الْبر، ويتعاملون بالارتفاقات الثَّانِي وَالثَّالِث.
وَلَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ وجود فرْقَتَيْن فيهم وَظُهُورهمَا وشيوعهما:
إِحْدَاهمَا الْفُسَّاق، والزنادقة، فالفساق يعْملُونَ الْأَعْمَال البهيمية أَو السبعية بِخِلَاف الْملَّة لغَلَبَة نُفُوسهم وَقلة تدينهم، فَأُولَئِك إِنَّمَا يخرجُون عَن حكم الْملَّة شَاهِدين على أنفسهم بِالْفِسْقِ، والزنادقة يجبلون على الْفَهم الأبتر لَا يَسْتَطِيعُونَ التَّحْقِيق التَّام الَّذِي قَصده صَاحب الْملَّة، وَلَا يقلدونه، وَلَا يسلمونه بِمَا أخبر، فهم على ريبهم يَتَرَدَّدُونَ على خوف من ملتهم، وَالنَّاس يُنكرُونَ عَلَيْهِم، ويونهم خَارِجين عَن الدّين خالعين ربقة الْملَّة عَن أَعْنَاقهم، وَإِذا كَانَ الْأَمر على مَا ذكرنَا من الْإِنْكَار وقبح الْحَال فخروجهم لَا يضر.
وَالثَّانيَِة الجاهلون الغافلون الَّذين لم يرفعوا رُءُوسهم إِلَى الدّين رَأْسا، وَلم يلتفتوا لفتة أصلا، وَكَانَ هَؤُلَاءِ أَكثر شَيْء فِي قُرَيْش وَمَا والاها لبعد عَهدهم عَن الْأَنْبِيَاء، وَهُوَ قَوْله ﵎:
1 / 218