<8> قال الخزري: وبحق التزمتم هذه الشريعة على ما ينبغي وامتثلتموها بغاية الاهتبال في الحفل والتهيؤ لها والتسبيح عليها وذكر أصلها وعلتها في البركة. وغيركم رام التشبه بكم فحصل على الألم وحده دون اللذة التي يحصل عليها من يتخيل السبب الذي من أجله يحتمل هذا الألم.
<9> قال الحبر: وهكذا سائر التشبيهات لم تقدر أمة من الأمم أن تتشبه بنا في شيء، أترى الذين اتخذوا يوما للراحة مقام السبت، أقدروا أن يحكوه إلا كما تحكي صور الأصنام صور الناس الأحياء.
<10> قال الخزري، قد تفكرت في أمركم ورأيت أن لله سرا في إبقائكم وأنه قد صير الأسبات والأعياد من أقوى الأسباب في إبقاء رمقكم ورونقكم فإن الأمم كانت تقتسمكم وتتخذكم خدمة لفطانتكم وذكائكم ولتصيركم محاربين أيضا، لولا هذه الفصول التي تراعونها هذه الرعاية لأنها من قبل الإله ولعلل قوية مثل זכר למעשה בראשית، זכר ליציאת מצרים، זכר למתן תורה. وكلها أمور إلهية مؤكدة عليكم محافظتها، ولولاها ما لبس أحدكم ثوبا نظيفا، ولا كان لكم اجتماع لتذكر شريعتكم لخمول هممكم بتوالي الذلة عليكم، ولولاها ما تنعمتم يوما واحدا في طول اعماركم. وقد حصل لكم بها سدس العمر في راحة جسم وراحة نفس لا يقدر الملوك عليها، إذ نفوسهم لو تتودع في يوم راحتهم لأنهم إن دعتهم أقل ضرورة في ذلك اليوم للتعب والحركة تحركوا وتعبوا، فليست نفوسهم في دعة تامة ولولاها لكان كسبكم لغيركم، إذ هو معرض للنهب فإنفاقكم فيها ربح لكم دنيا وآخرة، إذ النفقة فيها لذات الله.
<11> قال الحبر: فالخير منا يراعي من الشرائع الإلهية هذه، أعني الמילה والأسبات والأعياد ولوازمها المشروعة من عند الله، والتحفظ بالעריות والכלאים في النبات والثياب والحيوان، والשמטה والיובל، والتحفظ من עבודה זרה وما يتعلق بها من طلب علم غيب من غير النبوة أو الאורים والתומים أو الחלומות، فلا يسمع من زاجر أو منجم أو قراع أو متفاول أو متطائر. والتحفظ من الזבות والנדות، والتحفظ من الحيوان النجس في أكله ومسه، ومن الצרעת، والتحفظ بالدم والشحم لأنها نصيب אש ה' ومراعاة من يلزمه على كل עבירה בשוגג ומזיד من קרבן، حاشى ما يلزمه من פדיון בכור والבכורים والבכורות، وعلى كل والدة تلد عنده קרבן، وما يتطهر من זיבות وצרעת קרבן وמנחה، حاشى ما يلزمه من מעשר ראשון وשני وמעשר עני، والראיון שלש פעמים בשנה، والפסח ولوازمه الذي هو קרבן ה' لازم لكل אזרח מישראל والסוכה والלולב والשופר، وما يحتاج من الآلات والأواني المقدسة المطهرة لهذه الמנחות والقرابين وما يحتاج هو من التطهير والتقديس، ومراعاة الפאה والערלה وקדש הלולים، وبالجملة فيراعي من الأوامر الإلهية ما يمكنه أن يكون صادقا في قوله לא עברתי ממצותיך ולא שכחתי. سوى الנדרים والנדבות والשלמים وما يلزم نفسه من الנזירות. هذه وأمثالها الشرائع الإلهية وتمام أكثرها بעבודת כהנים. وأما الشرائع السياسية فمثل לא תרצח، وלא תנאף، وלא תגנוב، وלא תענה ברעך، وכבוד אב ואם، ואהבת לרעך כמוך، ואהבתם את הגר، وלא תכחשו ולא תשקרו. وتجنب الנשך والתרבית، وتحرى מאזני צדק אבני צדק איפת צדק והין צדק، وترك الלקט والעוללות والפאות وما أشبه هذا. وأما الشرائع النفسانية كאנכי ה' אלהיך، وלא יהיה לך، وלא תשא، مع زيادة ما صح في هذه الشريعة أنه تعالى مشاهد مطلع على ضمائر العباد فضلا عن أعمالهم وأقوالهم. وأنه يجازي على خيرها وشرها وأن עיני ה' משוטטות בכל הארץ. فلا يتحرف الخير ولا يتكلم ولا يفكر إلا ويعتقد أن بحضرته أعينا تراه وتراقبه، وتثيبه وتعاقبه، وتنقد عليه كل معوج من قوله وفعله، فهو يمشي ويجلس كالخائف الخجل المستحي من أعماله أوقاتا، كما أنه يفرح ويبتهج وتعظم نفسه عنده إذا أتى بحسنه، وكأنه يمتن على ربه إذا احتمل مشقه في طاعته. وبالجملة فهو يعتقد ويلتزم ما قيل הסתכל בשלושה דברים ואין אתה בא לידי עברה، דע מה למעלה ממך، עין רואה، ואוזן שומעת، וכל מעשיך בספר נכתבים. ويرى ما قال דוד أصدق حجه הנוטע אזן הלא ישמע אם יוצר עין הלא יביט. وكل ما قال في ה' חקרתני ותדע. ويتفكر في أن جميع أعضائه موضوعة بحكمة وتدبير ونظام وتقدير، ويراها مطيعة لإرادته وهو لا يدري ما الذي ينبغي أن يتحرك منها، مثل أن يريد القيام فيجد جماعة الأعضاء كالأعوان المطيعين قد أقامت جسده وهو لا يدري تلك الأعضاء. وكذلك إذا أراد الجلوس والمشي وسائر النصب. وإلى هذا أشار بقوله אתה ידעת שבתי וקומי ארחי ורעי זרית וכל דרכי הסכנת. وأكثر من ذلك وأدق وألطف أعضاء النطق. ترى الطفل يحكي كل ما يسمعه وهو لا يدري بأي عضو وبأي عضلة وبأي عصبة ينبغي أن يحكي ذلك. وكذلك آلات الصدر في ألحان الغناء يحكيها ويحكمها وهو لا يدري بأي شيء كان خالقها يحضرها ويصرفها له مع الأحيان في حاجته. والأمر كذلك أو قريبا من ذلك، لأنه لا يتصور أمر الخلقة، مثل أمر الصناعة، لأن الصانع يصنع رحي مثلا ويغيب عنها، والرحي تفعل ما له صنعت، والخالق يخلق الأعضاء ويعطيها القوى ويمدها مع اللحظات، ولو توهم عنايته وتدبيره آنا واحدا لفسد العالم بأسره. فإذا كان الخير يتصور جميع هذا في حركاته كلها، فكيف لا تكون حركاته كلها قد أعطي فيها نصيبا للخالق الذي خلقها أولا ويمدها بمعونة دائمة في تمامها، فهو أبدا كان الשכינה معه والملائكة تصحبه بالقوة وأن تقوي في الخير وكان في المواضع المؤهلة للשכינה صحبته بالفعل ورآها عيانا دون درجة النبوءة ، كما كان أخيار الחכמים في בית שני يرون صورة ويسمعون בת קול وهي درجة الأولياء، وفوقها درجة الأنبياء، فيلتزم الخير من توقير الأمر الإلهي الحاضر معه، ما ينبغي أن يلتزم العبد لمولى خلقه وأنعم عليه، وهو مراقبة ليثيبه أو يعاقبه، فلا يستبرد قول الخير قبل دخوله الخلا התכבדו מכובדים، تأدبا مع الשכינה، واعتذاره بعد الخروج ببركة אשר יצר את האדם בחכמה. فما أجل هذه البركة في معناها وما أحكم لفظها لمن تثبتها بعين الحقيقة إذ قدم أولا بحكمة، وختمها بרופא כל בשר ומפליא לעשות، دليل على غريب ما خلقه في الحيوان من القوى الدافعة والماسكة، وشمل جميع الحيوان بقوله כל בשר. ويربط نيته بالأمر الإلهي بحيل، منها فرائض منصوصة ومنها منقولة، فيحمل الתפלין على موضع الفكر والذكر من الرأس، ويبت منها شركة تصل إلى يده ليراها مع الساعات. وתפלין של יד على ينبوع القوى أعني القلب. ويحمل الציצית كي لا تشغله حواسه بالدنيا، وكما قال ולא תתורו אחרי לבבכם ואחרי עיניכם، والمكتوب في الתפלין التوحيد، والوعد والوعيد، وזכר ליציאת מצרים، لأنها الحجة لا مدفع فيها أن للأمر الإلهي اتصالا بالخلق وعناية بهم، وعلما بأعمالهم. ثم يطرق في جميع محسوساته إلى إعطاء نصيب الله فيها. وقد نقل أن أقل المقادير التي يتخلص الإنسان به في التسابيح هو מאה ברכות لا أقل منها المشهورة. ثم يروم مع طول الأيام استتمامها بمشمومات ومأكولات ومسموعات ومرائيات يبارك عليهم. وكل ما زاد كان نافلة مقربة إلى الله، وكما قال דוד: פי יספר צדקתך כל היום תהלתך כי לא דעתי ספורות، يعني أن تسبيحك لا أحصره إلى عدد، بل ألزمه طول عمري ولا أخلي عنه دائما. والאהבה والיראה لا محالة حاصلة في النفس مع هذه القرائن، ومقدرة بتقدير شرعي كي لا تفرط الשמחה في שבתות وימים טובים إلى حد يخرج إلى اللهو والشهوات والبطالة وتعطيل الصلوات في أوقاتها على ما يجب. وكي لا تفرط الיראה إلى حد يوئس من الغفران والصفاح، فيبقى كئيبا طول عمره ويتجاوز ما أمر به من الשמחה برزقه كقوله ושמחת בכל הטוב، فيقل شكره على نعم الله لأن الشكر يتبع الשמחה، فيصير كما قال תחת אשר לא עבדת את ה' אלהיך בשמחה וגו' ועבדת את אויביך. وكي لا تفرط في الקנאה في הוכח תוכיח וגו' ومناظرة العلم فيخرجه إلى الغضب والحقد، وتشتغل نفسه عن الصفاء في أوقات الصلوات، ويمكن من نفسه צדוק הדין تمكينا يكون له جنة وحجابا دون الرزايا والخطوب الجارية في الدنيا إذا تمكن في نفسه عدل خالق الحيوان ورازقه ومدبره بحكمه لا تدرك الأذهان تفصيلها، لكن تدرك جملتها بما ترى من اتقان الخلقة في الحيوان، وما تتضمن من العجائب والغرائب الدالة على قصد حكيم وإرادة عالم قادر، حتى جعل لما دق منها وما جل كل ما احتاج إليه من حواس باطنة وظاهرة وأعضاء، وجعل آلات مطابقة موافقة للأرواح، فصير للأرنب والأيل آلات الهرب وأخلاق الجبن، وصير للسباع أخلاق الجرأة وآلات الخلب والافتراس، فإن تفكر في خلقه الأعضاء ومنافعها ونسبتها من الأرواح رأى في ذلك من العدل والنظام الحكمي ما لا يبقى في نفسه شكاء ولا ريبة في عدل الخالق. فإذا تعرض شيطان الوهم ليعرض عليه الغور على الأرانب إذ هي طعمة للسباع، والذباب للعنكبوت. رد عليه العقل وزجره قائلا كيف أنسب الغور إلى حكيم قد تقرر عندي عدله واستغناءه عن الغور، ولو كان صيد السباع للأرانب وصيد العناكب للذباب بالاتفاق لقلت بحجة الاتفاق، لكني أرى ذلك الحكيم العدل المدبر هو الذي يصير آلات الصيد للأسد من جرأة وقدرة وأنياب ومخاليب، وصير العنكبوت ملهما للحيلة وصير له النسج ملكه دون تعلم ينسج الشباك، وصير له الآلات المشاكلة لهذه الصناعة، وأعد له الذباب معاشا وقوتا كما أعد لكثير من حوت البحر قوتا من حوت آخر، فهل أقول في هذا إنه إلا لحكمة لا أدركها، وأسلم لمن تسمى הצור תמים פעלו. فمن تمكن من نفسه هذا صار كما يقال عن נחום איש גם זו كلما نابته نائبة، قال גם זו לטובה. فيعيش عيشا لذيذا دائما وتخف عليه الأحزان، بل ربما فرح لها إذا تفطن لذنب كان عليه فتمحص بذلك كمن قضي دينه وفرح بخفيف ظهره منه، ويفرح للذخر والأجر المرفوع له، ويفرح لما يكسب الناس من الهداية للصبر والتسليم لله تعالى، ويفرح لما له في ذلك من الثناء والفخر. هذا في الرزايا الخاصة به. وهكذا يفعل في الرزايا العامة إذا أخطرت وساوس الوهم على باله طول الגלות وتشتت الملة وما وصل إليها من القلة والذلة تعزي أولا بצדוק הדין كما قلت، ثم بتمحيص الذنوب، ثم بالذخر والأجر المنتظر לעולם הבא، والاتصال بالأمر الإلهي בעולם הזה. فإن أيأسه شيطانه من ذلك بقوله התחיינה העצמות האלה لعظيم ما دثر أثرنا وجبر خبرنا كما قيل הנה אומרים יבשו עצמותינו וגו'. فيتفكر في كيفية יציאת מצרים وكل ما يقال في כמה מעלות טובות למקום עלינו. فليس يصعب عليه كيف ننجبر، ولو لم يبق منا إلا واحد وكما قيل תולעת יעקב، ما عسى أن يبقى من الإنسان إذا صار תועלת في قبره.
<12> قال الخزري: مثل هذا يعيش في الגלות عيشا لذيذا ويغني ثمرة دينه في الدنيا الآخرة ومن حمل الגלות متسخطا فكاد أن يفسد أولاه وآخرته.
<13> قال الحبر: وما يؤكد لذته ويمكنها ويزيده لذة على لذة التزام الברכות على كل ما يصيب من الدنيا وعلى كل ما يصيبه منها.
<14> قال الخزري: وكيف ذلك والברכות كلفة زائدة؟
<15> قال الحبر: أليس الإنسان الكامل أحق أن يوصف بالالتذاذ بما يأكل ويشرب من الطفل والبهيمة؟ كما أن البهيمة أحق باللذة من النبات، وإن كان النبات في اغتذاء دائم.
<16> قال الخزري: نعم لفضل الحس والشعور باللذة، فإنه لو سيق إلى سكران كل ما يشتهيه وهو بحال السكر فيأكل ويشرب ويسمع الأغاني ويجتمع مع من يحب وتعانقه معشوقته ثم يوصف له جميع هذا إذا صحا، لتأسف لذلك وحسب جميعه خسرا لا ربحا لما لم تجيه تلك اللذات في حال تحصيل وإحساس تام.
<17> قال الحبر: فالتهيؤ للذة والشعور بها وتخيل عدمها قبل ذلك يضاعف اللذات بها وهذا من فوائد الברכות لمن التزمها بنية وتحصيل لأنها تصور نوع اللذة في النفس والشكر عليها لمن وهبها وقد كان معرضا لعدمها فتعظم المسرة بها كقولك שהחינו וקימנו وقد كنت معرضا للموت فتشكر على حيوتك وتراها ربحا ويهون عليك المرض والموت إذ حل لأنك إذا حاسبت نفسك ورأيت أنك مربح مع ربك لأنك أهل للعدم من كل نعمة بطبعك لأنك تراب، ثم أنعم عليك بالحياة واللذة فتشكر. ومتى صرفها عند تحمد وتقول ה' נתן ה' לקח וגו' فتبقى ملتذا طول عمرك. ومن لم يلتزم هذه الطريقة فلا تظن لذته لذة إنسانية لكن لذة بهيمية لا يحصلها كما قلنا في السكران.
Unknown page